الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > شارع الحريّة
قصة قصيرة:
شارع الحريّة
حزيران (يونيو) 2010

وقف عبد الصمد أمام المقهى يتأمل حركة المارة المتراوحة بين العجلة والتباطؤ، وراح يتخيل ما يفكر فيه كل واحد منهم فيضحك تارة وطورا لا يحرك ساكنا. ركض مسرعا نحو الرصيف المقابل بعدما لمح شخصا يعرفه:

- حافظ... السلام... اعطني دينار..!
- ما عنديش... لقد أعطيتك البارحة خمسة دنانير...
- نورمال... أنت تملك الكثير. الخمسة دنانير لا تكفي واحدا وقد اقتسمتها مع زملائي المشردين.

أدخل حافظ يده في جيبه وأعطاه دينارين.

- شد... هاك دينارين واقلب فوقيرتك
- لا... نحب دينار بركة، خلي الباقي عندك مانيش نساسي فيك!

وضع الدينار في جيبه وراح يتمتم ويشتم الأغنياء ويلعن زوجته والبلاد... ثم تراجع وقال:

-  البلاد آش مدخلها.. !

عاد حيث كان أمام المقهى. سحب كرسيا وجلس إلى طاولته المعتادة ونادى القهواجي:" ناجي... يا ناجي... جيبلي إكسبريس.

- حاضر سي عبد الصمد (بتهكم)
- لا تناديني عبد الصمد، لا يعجبني، ناديني صامد... ولا تقل لي "سي"... اجري جيب القهوة.

أتى ثابت. سلم عليه:

-  اشربْ حاجة...

انصرف القهواجي وقد نفذ صبره. أخرج ثابت علبة السجائر، ناول عبد الصمد واحدة فأشعلها وراح يجذب منها نفسا عميقا وينفث الدخان ببطء فيخرج في شكل دوائر متعاقبة متثاقلة تثاقل أيامه ولياليه. - ألم تجد عملا؟

- رجعت البارحة من العاصمة... بحثت كثيرا عن عمل... ليس لي لا أكتاف ولا معارف وشهائدي لم يعد لها قيمة... عندما رأتني أمي على تلك الحالة بكت بكاء صامتا... خرجتُ من البيت هائما أمشط أرصفة الطرقات ولم أعد إلا في وقت متأخر من الليل.
- أنت على الأقل عندك أم تبكي عليك!
- ما هي أحوال زوجتك؟
- لم تعد زوجتي... آخر مرة جاءت تبحث عني فصرخت في وجهها وكدت أضربها... بنت الكلب! عرضت علي رشوة لكي أتنازل لها عن أبنائي... هكذا هم الأغنياء دائما، يعتقدون أنه بإمكانهم تحقيق كل شيء بالمال.. !وعندما رفضت هددتني بالسجن وقالت لي أنها تعرف أناسا "واصلين" قادرين على قبري في السجن. أنا لا أخاف السجن ولا الحاكم...

تناول سيجارة ونظر إلى رجل يجلس بالقرب منهما:

- تفضل! تشرب حاجة!
- آش يهمّك... قهواجي انت... اتلها بروحك يا مسّخ!
- أنا مسخ يا كلب الكلاب! امشي من هنا لا نجي نبول عليك.. !
ظل ثابت يراقب الموقف باستغراب. لكن عبد الصمد انتشله من ذهوله:
- شفت الكلب! "سيفيل"... أنا أعرفهم من عيونهم فهم يتهاوون حينما ترمقهم بنظرة احتقار وتتحدى قسوتهم وطغيانهم...
- وسّع بالك خويا صامد... هاو جاء القهواجي... الحمد الله عليك كي جبت ها الرشفة! - القهوة معبّية وعرفي قالي الكريدي لا!
- ينتابني إحساس بأن الثورة ستنطلق من هذا المقهى المليء بالهموم والمشاكل والقابل للانفجار في أية لحظة! أنا متأكد أن هذه الجثث ستنهض في يوم من الأيام.. !

انصرف القهواجي وهو يقول:

-  أنا منحبش الكلام في السياسية! نجري على عائلة زرقة وما نحبش نخسر خدمتي!

اعتدل ثابت في جلسته وسأل عبد الصمد:

- أين تقيم هذه الأيام؟
- SDF... أحاول تحصيل ثمن دبوزة كول... وين يطيح الليل نبات...

أشعل سيجارة ورفع كتفيه واسترسل في الحديث عن يومه الممل وحياته الرتيبة...

- اشتغلت مرة بأحد المصانع لكن سرعان ما طـُردتُ بعد أن تفطنت الإدارة إلى كوني أحرّض العمال وأخطط لبعث نقابة...
- عبد الصمد.. ! آش نوّه رايك نعملو كعبة كوكا؟
- برّ العب بعيد يعيش ولدي... كي تولي اسمك أيسر نعملو كعبتين... طير!

التفت إلى ثابت وقال:

-  هاذاكا أيمن ولد منجية... أمه تبيع الخمر وتضع لافتة على باب منزلها: هنا يباع الخمر خلسة! وتشغـّل فتيات جميلات مستعدات لتقديم خدمات بأسعار مدروسة...
- 
نهض ثابت وساعد عبد الصمد على الوقوف ثم انصرفا...

أحــــــلام


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني