الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > مناسبات للتهريج وليس للإبداع
المهرجانات الصيفية:
مناسبات للتهريج وليس للإبداع
حزيران (يونيو) 2010

مثل كل بداية موسم، تقفز الأعين نحو رزنامة المهرجانات الصيفية التي ستقع برمجتها والكل ينتظر برامج ثرية ومفيدة تتجاوز الإسفاف والسطحية والتهريج.

لكن تضيع طموحات مئات الآلاف هباء عندما يرفع الستار وتبدأ العروض.

من المعلوم أن عملية تنظيم المهرجانات الصيفية تخضع لإشراف وزارة الثقافة والمحافظة على التراث والمندوبيات الجهوية التابعة لها، وبالتالي فهذا الهيكل هو الوحيد المخول للإشراف على المهرجانات فضلا عن تعيين المديرين الذين ينتمي أغلبهم إلى الحزب الحاكم.

عملية وضع التصورات، وحسب عديد المتابعين، لا تلتزم بمنهج علمي يتعامل مع المضمون الثقافي على أساس حاجيات الشعب التونسي (الجمهور) في الاستفادة والتعلم والترفيه وإشباع نهمه وتصحره الثقافي، بل إن مصالح وزارة الثقافة تتعامل مع الجمهور المتلقي على أساس استهلاكي باعتماد صورة استعراضية تتضمن ثنائية "الجسد" و"الصخب".

إن نظرة سريعة على برامج مهرجانات الحمامات وقرطاج وبنزرت و"أوسو" بسوسة وسيدي منصور بصفاقس مثلا، وهي تعتبر من أكبر المهرجانات في البلاد ولها صبغة دولية، فسنرى أن 80% منها احتوت على "سهرات" مع رواد الكليبــــــــات بالفضائيات العربية المحتكرة في عديد الأحيان من قبل شركة واحدة (روتانا) والتي تقدم فنا يخاطب الغرائز ولا نجد فـــي المقابل غير بعض العروض السينمائية المتواضعة...

إذن فمهرجاناتنا الصيفية، وبإرادة واضحة من سلطة الإشراف أضحت مناسبات للتهريج والصياح وانعدام الذوق.

وللأسف فإن عديد العروض تستقطب عددا كبيرا من الزوّار وخاصة منهم الشباب الذي يبحث، رغم الأسعار المرتفعة للتذاكر، عن القليل من "الترفيه" ونسيان مشاغل الحياة وهمومها.

من ناحية أخرى لاحظنا في بعض الأحيان وخاصة في السنوات الفارطة، أن بعض هيئات التنظيم لبعض المهرجانات مثل قرطاج وصفاقس والحمامات وجهت الدعوة لمجموعة من رموز الفن الراقي كصباح فخري أو الفن الملتزم كمارسيل خليفة أو فرقة العودة والبحث الموسيقي... وجاءت هذه الدعوات في إطار بعض الاستقلالية التي تحلت بها بعض الهيئات التنظيمية أو نتيجة الضغط والنقود الموجهة لوزارة الثقافة حول إصرارها الدائم على صبغ مهرجاناتنا بلون الاستعراض. وتأكدنا كيف أن فئات واسعة من الجمهور التونسي حضرت هذه العروض بأعداد كبيرة جدا وعبرت عن شغفها بفن جيد ومفيد. لكن سرعان ما تم الالتفاف على هذه المبادرات وتوجيه "التعليمات" بعدم تكرارها، وهذا مفهوم باعتبار أن السلطة ليست من مصلحتها أن تنظم مناسبات فنية ذات ذوق رفيع، بل من مصلحتها التكثيف من برامج "المزود خدام" و"أميرات العراء الشرقي" وخصوصا الموجهة للشباب لضمان مواصلة تدجينه وعدم وعيه بفن آخر قد يعكس همومه وأحاسيسه وعواطفه ومشاكله على عديد المستويات.

إن مهرجاناتٍ غير مستقلة وتخضعُ عملية إعدادها للرقابة والتوجيه والتكليف لن تكون بالمرة مفيدة للجماهير التونسية، بل ستبقى إحدى الأسلحة الأخرى لتنويمه ودفعه نحو اتباع القيم البليدة والهابطة.

والمطلوب هو التشهير بالتوجهات الثقافية للسلطة ونقد أهدافها وسعيها لحرمان الشعب التونسي من حقه في ثقافة تقدمية وراقية. كذلك فمن الواجب التعريف بما تبقى لدينا من إسهامات جدية في المجال الفني والغنائي والسينمائي والمسرحي والتي كان من المفروض أن تجد مكانا لها على ركح أكبر المهرجانات في بلادنا وأن يقع دعمها وتشجيعها ماديا وأدبيا. لكنها، وبسبب عقلية ثقافية متحجرة للنظام، لم تجد موطئ قدم أمام الجمهور الواسع وحرمت من فرص المشاركة في المهرجانات لتبقى هذه الأخيرة فرصة للتهريج ونشر كل ما هو هابط وسطحي بعقلية تجارية بحتة.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني