الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > غزّة فـي عيـوننـا
غزّة فـي عيـوننـا
10 كانون الثاني (يناير) 2009

"غزّة في عيوننا طالما يقتل الأطفال مفتوحي الأعين..."

هذا النداء وجّهه فضاء الحمراء لكلّ أصدقائه ومحبيه في تونس... روّجناه بدورنا نحن الفنانين التونسيين المواطنين العلمانيين المستقلين في أغلب الأوساط الفكرية والفنية الغربية وخاصّة منها الأوروبية اقتناعا منا أنهم يقتسمون معنا نفس القيم والمبادئ الإنسانية.

كم كان استغرابنا من ردّ فعل أحدهم وهو رجل مسرح مطّلع وجدلي "برشتي" مرموق:
- "أمام أعيننا عصابة متطرفين تجني ثمرة استفزازاتها اللامسؤولة وتجبر شعبها الرهين على دفع ثمن جنونها القاتل". نصّ مقتضب، نصّ نهائي لا جدال فيه قاطع كالسّيف.

الإجابة عليه بنصّ مواز متوخّ نفس الألفاظ والمصطلحات يكون كالآتي:
- "أمام أعيننا دولة عنصرية وشرسة تجني منذ 1948 ثمرة سيطرتها اللامسؤولة وتجبر شعبا رهينا ومنطقة بأكملها على دفع ثمن جنونها القاتل"

لكل كلمة وزن لأن الكلمة قادرة على القتل.

أيكون هذا الصديق الفنّان الواعي والجدلي "البرشتي" المعروف هو الآخر ضحيّة دعاية ساحقة متفشية في كل العقول حتى يصبح بدوره بوق دعاية عمياء؟

أتكون الضلالة والغشاوة أقصى ما وصلت إليه الدعاية الصهيونية في أوعى العقول من خيرة المثقفين هناك؟...

فإلى متى ستظل الحقائق مقلوبة ويستمرّ المعتدى عليه معتديا

والضحية جانيا!

والعواقب أسبابا؟ و...و...؟

لنتغلّب على المشاعر الانفعالية والأحاسيس الفيّاضة ولنخرج المسألة من الإطار الإيديولوجي كما فعل صديقنا الفنان الواعي ولنضعها في إطارها الحقيقي إطارها السياسي.

وسط أكبر معتقل عرفه التاريخ بعد معتقلات فرصوفيا هل من المقبول أن تحشد مئات الآلاف من البشر وأن تجوّع وتعطّش وتعزل على بقية العالم وأن تعاقب من أجل اختيارات سياسية ديمقراطية حثّ عليها الغرب الديمقراطي على صواب ليقاطعها في ما بعد عن خطأ. كيف يقبل هذا التناقض الذي أدّى إلى هذه العواقب الرهيبة؟

فكأن كلّ مرّة يعلو فيها صوت مجموعة أو فصيلة أو أقلية أو حركة أو حزب يحتج أو يندّد ويهدد مطالبا بالوجود أو البقاء يتّهم فورا بالإرهاب والتطرّف ... بينما تسمى هذه المواقف عند الغرب مقاومة...

الاجتياح والسطو والتهجير والاستيلاء والإقصاء والمحق ورفع الحيطان بين خيرة القوم وأنذلهم، بين مواطني الأرض الموعودة ومتساكنيها التاريخيين.

هذا كل ما أهداه الكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستين عاما...

وكل هذا مع تأييد جلّ أنظمة العالم الحرّ ومساندتها الفعّالة.

إسرائيل تفعل ما تشاء دون لوم ولا عقاب منذ أكثر من ستين عاما...

لن نتردّد في التذكير بكلّ هذا الصنيع أبدا.

إنّ ما يقع اليوم من اتهام لفلسطينيّ غزّة بالإرهاب الإسلامي هو نفسه ما وقع في رام الله من اتهام لعرفات بالإرهابي غير الإسلامي.

هل يجب التذكير بذلك؟

من ترى سيوقف يوما هذا الكيان من مشروع إبادته للشعب الفلسطيني؟

إن ما يحدث اليوم سيتوقف يوما ولكنّه حتما سيستأنف ويتكرّر مثلما تكرّرت أمثاله من الهجومات والإجتياحات والمذابح بصفة منتظمة منذ أكثر من ستين عاما...

هل مازال يكفي التعبير عن الغضب والمطالبة بالإعانة الإنسانية؟ هل تكفي الإعانة الإنسانية في انتظار الهجومات المقبلة؟ هل الإعانة تعتبر تضامنا؟

هي أساسا إغاثة للجرحى والمنكوبين، فلا معنى للتضامن السياسي الذي يطالب به العرب مثلا إذا لم يكن هذا التضامن مساندة فعّالة للمقاومة"!

الإغاثة والمساعدات بالأدوية والأغذية هامّة ولكنها لا تعتبر من باب التضامن لأنّ في الحرب حتى العدوّ يسعف جرحى خصمه ... ويسمح بمدّهم بالأدوية والأغذية.

فإذا كانت الإغاثة تضامنا فليحيا التضامن الإسرائيلي مع الشعب الفلسطيني بما أن اليوم 07 جانفي سمحت الحكومة الإسرائيلية مشكورة بهدنة ثلاثة ساعات لإسعاف الجرحى والمنكوبين!

القضية الفلسطينية قضية عادلة، هذا أمر لا ريب فيه.

احتلال الأرض الفلسطينية والميز العنصري المفروض على أهاليها منذ 1948 هما أكبر مظلمة إنسانية عرفها التاريخ.

من ينكر هذه الحقيقة الدامغة!

هذا الهجوم الجديد وهذه المذبحة المتكرّرة لن تقف عند هذا الحّد!

وهذا التذكير منّا والتنديد إنما هو آت من قبل مواطنين علمانيين لا من قبل مدافعين انفعاليين متحمسين إلى أيّ تطرّف إسلامي...

معزولون مهمّشون محرومون في وطننا من التعبير عن مواقفنا وآرائنا بالتظاهر السلمي في الشوارع كما هو مسموح به في كلّ البلدان العربية...

ممنوعون من إعلاء صوت قد يساهم في الضغط على قوى الاحتلال وحلفائها سياسيا أو على الأقلّ دبلوماسيا...

إعلاء صوت غضب واستنكار ضدّ الكذب والتضليل وأجهزة الدعاية الحاقدة المغرضة والمسمّمة حتى لأفكار أقرب الفنّانين والمثقفين خارج الوطن.

إعلاء صوت يساهم في التصدّي إلى مخطّط إسرائيل لتقسيم فلسطين وتجزئتها ثمّ القضاء المضمر عليها.

المشكل الأكبر هو أن إسرائيل وحلفاءها ماضون لبلوغ مآربهم المخطّطة منذ 1948!

فمن حرب عربية /إسرائيلية أضحت المواجهة بين إسرائيل وبعض البلدان العربية التي لم ترضخ ثمّ أمست حربا بين إسرائيل وفلسطين إلى أن باتت قتالا بين الفلسطينيين بعضهم ضدّ بعض بعد أن أفلحت إسرائيل في تقسيمهم... واليوم أصبحت مواجهة بين إسرائيل وحماس والجهاد...

وكلّ هذا جرى ويجري وسيجري أمام عالم فيه من يساند ويساعد وفيه من يستنكر ولا يفعل وفيه شعوب تبكي ولا تقدر وأقليات تفهم ولا تفعل... عالم مضى يتفرّج، أغلبه لا حول له ولا قوّة... عالم يرتجّ تحت أقدام جبّار متغطرس.

الواقع أن فلسطين اليوم باتت مشروع دولة منقسمة ومعرّضة للانقراض.

لقد صرّح "بلتن" الممثّل السابق لـ"بوش" في الأمم المتحدة أنّ احتمال المشروع الإسرائيلي الأمريكي لإلحاق غزّة بمصر والضفّة بالمملكة الأردنية احتمال جدّي...

إذا ما تحقق هذا المشروع فستنتهي به فلسطين وينتهي الشعب الفلسطيني.

فهل يجوز بعد هذا أن نسمع من أيّ كان: "لم أكن أعلم" !


- جليلة بكار، كاتبة وممثلة
- الفاضل الجعايبي، كاتب ومخرج
- أنور إبراهم، موسيقي وعازف
- الحبيب بالهادي، منتج
- فاطمة بن سعيدان، ممثلة
- نوال اسكندراني، كوريغراف


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني