الصفحة الأساسية > البديل الوطني > من أجل العفو التشريعي العام
من أجل العفو التشريعي العام
20 شباط (فبراير) 2005

انتظم يوم الجمعة 4 فيفري 2004 اجتماع بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي حول موضوع العفو التشريعي العام. وقد قدم للنقاش المناضل الحقوقي خميس الشماري بمداخلة تناول فيها مفاهيم العفو المختلفة كما مورست في تونس منذ الحقبة البورقيبية.

كما تعرض لمسار "الحقيقة والإنصاف" الجاري بالمغرب مبيّنا أن الأمر في هذا البلد الشقيق لم يتوقف عند إطلاق سراح المساجين السياسيين وسنّ العفو العام بل تجاوزه إلى "النّبش" في سنوات القمع المظلمة وإخراجها إلى الرأي العام حتى لا تتكرر من جديد. وحول نفس الموضوع قدم السيد محمد القوماني عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي مداخلة تحدث فيها عن رفض السلطة الاعتراف بوجود مساجين سياسيين وأسبابه وعلى أهمية النضال من أجل العفو التشريعي العام اليوم مؤكدا أنه شرط ضروري لأي انفراج سياسي. وإثر هذين التدخلين أعطيت الكلمة للحاضرين الذين عبروا عن مساندتهم لهذا المطلب المشروع. وقد تدخل الرفيق حمّه الهمّامي في النقاش. ويمكن حوصلة ما جاء في تدخله في النقاط التالية:

أولا: إن العفو التشريعي العام يمثل مطلبا أساسيا من مطالب الحركة الديمقراطية بل إنه يأتي على رأسها باعتبار أنه لا يمكن الحديث عن "تحرير الحياة السياسية" بدون إطلاق سراح السجناء السياسيين أولا وإلغاء كافة المحاكمات التي ذهب ضحيتها معارضو نظام الحكم من مختلف النزعات الفكرية والسياسية، ثانيا.

ثانيا: إن العفو التشريعي العام لا ينبغي أن يتوقف في حدود "شطب السوابق" بل ينبغي أن يرتبط باستعادة ضحايا المحاكمات الجائرة لكامل حقوقهم المدنية والسياسية وبالتعويض لهم عما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية، وبفتح سجل المحاكمات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان.

ثالثا: إن سن العفو التشريعي العام وحده لا يكفي بل لا بد أن يرتبط بتحرير فعلي للحياة السياسية. لأن عدم إلغاء القوانين المنافية للحريات مثل قانون الصحافة وقانون الأحزاب والجمعيات وغيرها تعني إبقاء الباب مفتوحا للمحاكمات السياسية وملأ السجون مجددا بمعارضي نظام الحكم وهو ما حصل في تونس مثلا بعد العفو التشريعي العام لسنة 1989.

رابعا: إن تونس لم تعرف في تاريخها عفوا تشريعيا عاما بمعناه الحقيقي رغم أن الحركة الديمقراطية طرحت هذا المطلب في مراحل مختلفة من تاريخ بلادنا المعاصر. فقد طرح مطلب العفو التشريعي العام في الستينات على إثر القمع الذي شمل اليساريين والقوميين. وقد رد عليه بورقيبة بسنّ ما أسماه grâce amnistiante في أواخر 1969 على أن تشمل كل الذين يطلبوه خلال عام من صدور الأمر الخاص بها. وهو عفو رئاسي يمكّن طالبه من "استرداد حقوقه". كما طرح مطلب العفو التشريعي العام في السبعينات بعد موجة القمع التي شملت اليساريين والقوميين ومناضلي "حركة الوحدة الشعبية" ونشطاء الحركة الطلابية ونقابيي الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد رد النظام على هذا المطلب بإطلاق سراح كل المساجين السياسيين عدا مجموعة قفصة ومكّن معظمهم من العودة إلى عملهم أو دراستهم ورفض سن العفو التشريعي العام. وأعيد طرح المطلب في الثمانينات على إثر قمع الإسلاميين واليساريين ونشطاء الحركة الطلابية وعددا من النقابيين. وبعد أن أطاح بن علي ببورقيبة سنّ عام 1989 "عفوا تشريعيا عاما" لكنه في الحقيقة لم يتجاوز حدود "فسخ السوابق" لأن القانون الذي صدر يوضح أن المنتفع به لا يسترد شغله السابق ولا يحصل على أي تعويضات. وأخيرا طرح مطلب العفو التشريعي العام في التسعينات ولا يزال مطروحا إلى الآن بعد موجة القمع التي شملت مختلف النزعات الفكرية والسياسية. ولا يزال نظام بن علي يرفض الاستجابة لهذا المطلب، كما يرفض إطلاق سراح المساجين السياسيين القابعين في السجون منذ ما يزيد عن العشر سنوات بالنسبة إلى عدد هام منهم.

خامسا: إذا كان صحيحا كما قال المحاضر، الحقوقي خميس الشماري، أن بعض الذين يزعمون انتماءهم إلى اليســار ظلوا رافضين مطلب العفو التشريعي العام حتى فترة قريبة، بدعوى أن الإسلاميين سينتفعون به، وهو موقف طفولي يلقي ظلالا كثيفة على حقيقة انتمائهم إلى اليسار، فإن ما لا يقلّ صحّة عن ذلك هو أن اليسار كان أول من طرح مطلب العفو التشريعي العام في مطلع التسعينات مؤكدا بذلك أنه قوّة ديمقراطية وتقدمية حقا. وفي هذا الإطار أشار الرفيق حمه الهمامي إلى أن حزب العمال كان طرح شعار العفو التشريعي العام منذ عام 1992 وتحديدا في البيان الذي أدان فيه محاكمة القيادات "النهضوية" من قبل القضاء العسكري. كما كان من بين المبادرين بإطلاق أول عريضة وطنية حول العفو التشريعي العام في ديسمبر 1995. وهو لم يفعل ذلك ليس لأنه معني بالعفو العام فحسب بل لأنه أيضا يدين المحاكمات السياسية مهما كان انتماء ضحاياها الفكري والسياسي والتنظيمي.

سادسا: إن المطالبة بالعفو التشريعي العام وجدت في كل مرحلة أناس يعارضونها بسبب ضيق أفقهم السياسي ونزعتهم الفئوية أو تورطهم مع نظام الحكم. ففي السبعينات مثلا رفض "الإسلاميون" المطالبة فإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من مختلف الاتجاهات وسن عفو تشريعي عام. وفي هذا الصدد ذكر الرفيق حمه الهمامي أنه في عام 1975 وفي الوقت الذي كان فيه اليساريون (العامل التونسي) يواجهون محكمة أمن الدولة التي أصدرت ضدهم أحكاما قاسية بالسجن، انبرى أحد رموز الحركة الإسلامية بالوطن القبلي يؤيّد ما قامت به السلطة ويطالبها بفتح المساجد أمام "التيار الإسلامي" حتى يستكمل ما بدأت هي بالقيام به وذلك بـ"الإجهاز فكريا وإيديولوجيا على التيار اليساري حتى يتم استئصاله".

سابعا: إن الوفاء يقتضي تصحيح بعض المعطيات. فالبعض يذكر دائما أن "القمع بدأ في عهد بن علي بـ"الإسلاميين" ثم اتسع ليشمل مختلف التيارات الفكرية والسياسية". وهذا غير صحيح، بل إنه يوحي بأن الفترة الممتدة من نوفمبر 1987 إلى مطلع 1991 لم تشهد أعمالا قمعية والحال أن القمع كان موجودا في تلك السنوات وإن لم يكن بشكل مكثف كما سيحصل بداية من عام 1991. ففي أواخر1987 وخلال 1988 تعرض عدد من مناضلي حزب العمال واتحاد الشباب إلى الإيقاف دون محاكمة. وفي سنة 1989 حوكم السيد جلول عزونة والأستاذ البشير الصيد. كما حوكم عدد من مناضلي حزب العمال بقفصة. وفي عام 1991 حوكم مناضلون من الحزب بباجة واغتصب واحد منهم. كما حوكم عدد آخر بجهة الساحل. لذلك من المهم أن يكون المرء وفيا للوقائع.

وقد ختم الرفيق حمه الهمّامي تدخله بتأكيد تأييد حزب العمال لمطلب إطلاق سراح كافة المساجين السياسيين القابعين بسجون النظام في ظروف لاإنسانية وسن عفو تشريعي عام يعيد لضحايا القمع حقوقهم المدنية والسياسية ويعوّض لهم عما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني