الصفحة الأساسية > بديل الشباب > ما هي أسباب تراجع النضال الطلابي؟
بمناسبة الذكرى 23 لحركة فيفري المجيدة:
ما هي أسباب تراجع النضال الطلابي؟
20 شباط (فبراير) 2005

كثيرا ما يتساءل متتبعو الشأن الطلابي عن أسباب تراجع نضال الجامعة التونسية التي كانت في ما مضى من العقود لا تنطفئ بها جذوة النضال، بل قوّة طليعية متملكة لآخر النظريات والأفكار وخلية ناشطة طالما مثلت شوكة في حلق النظام القائم. وهذا التساؤل مشروع ومنطقي يعكس قيمة الدور الذي ينيطه الناس بعهدة الحركة الطلابية خاصة والشبابية عامة في هذه المرحلة من مراحل تاريخ بلادنا التي تشهد ركودا غير مسبوق بسبب القمع الوحشي الذي تسلطه دكتاتورية السابع من نوفمبر على الطاقات الحية للمجتمع.

ولكن وحتى يكون طرح هذا التساؤل جديا وموضوعيا نرى من الضروري تنسيبه. فالتساؤل عن تراجع النضال بالجامعة بالشكل الذي يطرحه بعض الديمقراطيين وحتى "الثوريين" هو طرح غير سليم لا يساعد على فهم المسألة ومعالجتها. فكثيرا ما يأخذ الحديث عن الحركة الطلابية طابعا مثاليا، أي غير واقعي: من جهة، "تقديس" لطلبة السبعينات خصوصا ونضاليتهم إلى درجة تحويلهم إلى كائنات "غير عادية" خارجة عن الإطار التاريخي الذي فعل فيها وفعلت فيه. ومن جهة أخرى، "تهجين" لطلبة التسعينات والفترة الحاضرة بسبب "ميوعتهم" و"تخلفهم" وكأنهم هم أيضا كائنات غريبة، لا علاقة لها بالواقع المحلي والدولي وما يجري فيه من تحولات.

إن المسألة لا ينبغي أن تطرح بهذا الشكل. فالطلبة فئة من المجتمع الذي يعيشون فيه، تربطهم به علاقة تأثير وتأثر. كما أنهم أبناء عصرهم، تربطهم به أيضا علاقة تأثير وتأثر. ومن هذه الزاوية يمكن التأكيد على أن اختلاف طالب السبعينات "المناضل" عن طالب التسعينات "المائع" و"المتخلف" لا يكمن في الإمكانيات الذهنية، والقدرات العقلية بل يكمن في اختلاف الظروف والأوضاع المحيطة بهذا وبذاك والتي أثرت فيهما بهذا الشكل أو ذاك. فالذي تغير في حقيقة الأمر ليس الطالب في حد ذاته بل الظروف/العصر. لذلك ينبغي البحث عن أسباب نهوض الحركة الطلابية بالأمس وتراجعها اليوم في تلك الظروف بموضوعيتها وذاتيتها، وإلا أطلقنا تفسيرات مثالية تـُرجع نضالية طالب الأمس إلى "استعداد ذاتي خارق" وخمول طالب اليوم إلى "تفسخ ذاتي خارق".

لا جدال في أن دور الحركة الطلابية تراجع. لكن هذا الوضع لم يأت من فراغ وليس هو حالة شاذة في المجتمع بل له أسبابه الموضوعية والذاتية. إن الحديث عن وضع الجامعة والحركة الطلابية بمعزل عن الوضع العام بالبلاد وعن سيطرة الدكتاتورية النوفمبرية على كل الفضاءات السياسية والثقافية والاجتماعية وقمعها لكل نفس حر مما أدى إلى ضمور الحركة السياسية والنقابية والحقوقية والثقافية بشكل عام هو حديث غير موضوعي. فتراجع الحركة الطلابية يمثل في الحقيقة جزءا من تراجع الحركة الاجتماعية والسياسية في تونس بشكل عام. وعجز الحركة الطلابية عن مواجهة الهجوم الذي شنته عليها الدكتاتورية النوفمبرية يمثل جزءا من العجز العام الذي أبدته قوى المجتمع المدني في التصدي لذلك الهجوم.

كما أن الحديث عن تراجع دور الجامعة والحركة الطلابية بمعزل عن الوضع العالمي الذي اتسم منذ أكثر من عقد بتراجع الفكر الثوري والتقدمي وبتراجع حركة الشغيلة العالمية وحركة التحرر الوطني المعادية للامبريالية والصهيونية والاستعمار خصوصا بعد انهيار "المعسكر السوفياتي" وانفراد الامبريالية الأمريكية بالهيمنة على العالم وما رافقه من هجوم ايديولوجي وثقافي وسياسي وقيمي على كل ما هو ثوري وتقدمي واستبداله بـ"قيم السوق" المنحطة والمبتذلة، هو أيضا حديث غير سليم. فتراجع الحركة الطلابية التونسية هو جزء من تراجع الحركة الطلابية العالمية التي كانت لها كلمتها العالية في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن المنقضي. فلا اختلاف في كون اليسار فكرا وتنظيما لعب الدور المحوري في إذكاء جذوة النضال بالجامعة التونسية منذ بداية الستينات. وقد عرفت الجامعة أزهى فتراتها النضالية حين كان اليسار في حالة مدوتراجعت حين تراجع هذا اليسار.

وخلاصة القول أن الجوانب الموضوعية المحيطة بالفضاء الطلابي من أوضاع محلية ودولية أثـّرت سلبا في وعي الحركة الطلابية وممارستها. إن طالب اليوم يتحرك في فضاء مخترق ومحاصر. لكن تأكيدنا على تأثير هذه الأوضاع لا يجعلنا: أولا: ننكر أن الحركة لم تمت فيها جذوة المقاومة حتى في أحلك الفترات حين خمدت قطاعات واسعة من مجتمعنا. ويمكن أن نذكر كمثال على ذلك أحداث القيروان في نوفمبر 1994 وأحداث كلية الحقوق في نوفمبر 1995 ونضالات 97/98 التي كان من نتائجها محاكمة العشرات من مناضلي الجامعة، وتحركات 1999 و2003 و2004 حول "الكاباس" وحق الخريجيين في العمل، إلخ. كما أننا لا ننكر المحاولات الجادة اليوم إلى الربط مع الإرث النضالي للحركة. ثانيا: ننكر دور العامل الذاتي في تأخر الحركة الطلابية. فعامل القمع والصعوبات لا يكفي وحده لتفسير ذلك التأخر. إن الوضعية التي مرت بها ولا تزال المنظمة الطلابية والتي يتحمل مسؤوليتها اليمين الطلابي الانتهازي لعبت دورا سلبيا في تراجع الحركة الطلابية. فقد حول هذا اليمين المنظمة إلى "أصل تجاري" للتمعش والتكسب فيما تعاني الهياكل الشرعية صعوبات جمة مادية ومعنوية. ولكن مسؤولية اليمين الانتهازي بقيادة زعتور لا تنفي مسؤولية التيارات النقابية والسياسية الأخرى التي ظلت مشتتة وفئوية ولا تمتلك في الغالب رؤى وبرامج واضحة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني