الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العدد 284
افتتاحية "صوت الشعب":
شهر أكتوبر...
شهر الإضرابات والمحاكمات
31 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

شهد شهر أكتوبر 2010 سلسلة من الإضرابات وعدد من محاكمات الطلبة. وإذا كان إضراب الأساتذة في نهاية هذا الشهر يعتبر الحدث الأبرز فإن عديد الإضرابات عن الطعام قد جلبت اهتمام الرأي العام الداخلي والخارجي بالإضافة إلى سلسلة من المحاكمات التي استهدفت الطلبة في كل من المنستير والقيروان وقفصة، دون أن ننسى الاعتداءات الجسدية التي تعرض لها عدد من الطلبة بسبب احتجاجاتهم على تردي الخدمات الجامعية وعدم تمكينهم من السكن.

الحدث الذي استقطب الرأي العام في بداية هذا الشهر هو الإضراب عن الطعام الذي يخوضه الصحفي الفاهم بوكدوس من سجنه والذي لا يزال متواصلا إلى الآن. ورغم تجاهل السلطة وصمتها فإن هذا الإضراب حضي باهتمام إعلامي كبير وبمساندة منقطعة النظير في الداخل والخارج وأصبح يمثل إدانة واضحة لنظام بن علي باعتبار وأن الفاهم مسجون بسبب أدائه لواجبه الصحفي وأن مواصلة سجنه فيها خطر حقيقي على حياته خاصة وأنه مريض بمرض مزمن (الربو) ومضرب عن الطعام منذ أكثر من عشرين يوما.

ولم يكن إضراب الفاهم هو الإضراب الوحيد عن الطعام خلال هذا الشهر، فقد سجلت عديد الإضرابات الأخرى، نذكر منها على سبيل الذكر ولا الحصر إضراب غزالة المحمدي الذي بدأته يوم 14 أكتوبر وعلقته يوم 28 من نفس الشهر للمطالبة بإعادتها إلى سالف عملها الذي أطردت منه بسبب نشاطها السياسي وخاصة في انتفاضة الحوض المنجمي، إلى جانب عدة إضرابات جوع أخرى خاضها سجناء سياسيون سابقون أو مناضلون نقابيون أو عمال للمطالبة بحقوقهم المهضومة، ومن بين هؤلاء نذكر: عبد اللطيف بوحجيلة ومحمد العكروت وصلاح الدين العلوي ومحمد الرحيمي، والقائمة طويلة.

حدث آخر لا يقل أهمية عن إضرابات الجوع وهو إضراب أساتذة التعليم الإعدادي والثانوي، هذا الإضراب الذي سجل نجاحا كبيرا وفاقت نسبة المشاركة فيه الـ80 بالمائة. وهذا النجاح هو أحسن رد علــى محاولات السلطة والبيروقراطية الهادفة إلى إفشال الإضراب والتشكيك في نضالات الأساتذة ومشروعية مطالبهم.

إلى جانب إضرابات الجوع وإضراب الأساتذة تميز شهر أكتوبر أيضا بمحاكمات الطلبة الذين يحاكمون بتهم ملفقة بسبب نشاطهم النقابي، وبتحركات طلابية من أجل السكن، واجهتها السلطة بالقوة الغاشمة. ففي بداية هذا الشهر ومع انطلاق العودة الجامعية أحيل طلبة المهدية على محكمة الاستئناف بالمنستير التي أجلت النظر في قضيتهم مرتين، وفي نهاية الشهر انتصبت محكمتان واحدة لمحاكمة طلبة القيروان (27 أكتوبر) والثانية بقفصة بعد يوم واحد من هذه المحاكمة.
وقد تزامنت هذه المحاكمات مع تحركات طلابية في سوسة وفي صفاقس وتونس للمطالبة بالحق في السكن. وقد واجهت السلطة هذه التحركات بالقمع والاعتداءات الجسدية مستعينة بميليشيات مأجورة تحت اسم "أعوان حراسة المؤسسات".
إن كل هذه التحركات والمحاكمات تؤكد أن الوضع ليس مستقرا لفائدة الدكتاتورية وأن هناك بوادر نهوض رغم شدة القمع والحصار وأن فئات من الشعب التونسي تعبر عن رفضها لسياسات النظام حتى ولو كان ذلك عبر إضرابات الجوع وتعريض حياتها للخطر.

وبطبيعة الحال فإن هذا الوضع مقلق ومحرج للسلطة. وهذا الحرج سيزداد في الداخل والخارج في القادم من الأيام. فالطغمة الحاكمة تتخبط في تناقض واضح: فمن ناحية يقتضي منها مشروع "التمديد والتوريث" إظهار أن "الشعب مع بن علي" وأن "الأوضاع جدية" كما يقتضي منها، الحصول على مرتبة "الشريك المتقدم" من أوروبا للتخفيف من مصاعبها الاقتصادية، التظاهر باحترام الحريات وحقوق الإنسان. ومن ناحية أخرى فإن القمع الذي يتسع باستمرار سيظل يفضح ذلك الادعاء ويبين أن الشعب التونسي مسلوب الحرية وأن "التمديد والتوريث" مشروع مفروض عليه فرضا. وبعبارة أخرى فإن المؤكد أن السلطة حتى وإن أمعنت في القمع فإنها ستظل مرتبكة وضعيفة خوفا من الانعكاسات السياسية لذلك القمع، خصوصا أنها ما انفكت تواجه انتقادات حتى من أقرب حلفائها وداعميها في واشنطن وباريس بسبب الانتهاك المستمر والمنهجي للحريات وحقوق الإنسان.

إن المطروح على الحركة الديمقراطية والثورية عامة هو استغلال هذا النهوض النسبي وهذه النضالات التي ما فتئت تتوسع لتطوير الحركة الاجتماعية والشعبية وخلق ميزان قوى جديد يرجح كفة التغيير الديمقراطي. فمن دون كسب العمال والكادحين والطلاب والتلاميذ والمعطلين عن العمل والمثقفين والمبدعين، إلى مشروع التغيير الديمقراطي، فإن تحقيقه يبقى بعيد المنال والحديث عنه مجرد هراء. إن نهوض الحركة الاجتماعية والشعبية وتطوّرها إلى تيار جارف، واع ومنظم.

هو الذي سيكون له الدور الحاسم في تغيير واقـــــــــــــــع مجتمعنا وبلادنا. ولن يتم ذلك إلا إذا توحّدت المعارضة السياسية والمدنية على اختلاف توجهاتها واستراتيجياتها، في جبهة واسعة ضد نظام بن علي وكسبت ثقة الجماهير الواسعة.

وفي هذا الإطار فإن حزب العمّال الشيوعي يرى أنه من الملح الدعوة إلى "ندوة وطنية للمعارضة" لتناقش بأسرع وقت ممكن الصيغ الممكنة لتوحيد عملها في المرحلة الراهنة. لا بد من وعي أن العمل المشترك أصبح اليوم ضرورة ملحة وبه يرتبط مستقبل المعارضة ذاتها إذا أرادت فعلا أن تؤثر في مجرى الأحداث وتكون في مستوى انتظارات القوى الحية في بلادنا. ومن واجب قوى المعارضة العاملة في مختلف المجالات أن تدرك أن وقت التشتت والتشرذم دقت ساعته منذ زمان، وأن الوقت هو وقت تحمّل المسؤولية لتوفير شروط تغيير ديمقراطي، وطني، شعبي، حقيقي

في هـذا العـدد
أخبار
مقالات



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني