الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > الكعكة !
أضْـــوَاء وظِــــلاَل*:
الكعكة !
22 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

بقلـم: رضا البركاتي
ridhabarkati@gmail.com

1. مع الشبكة العنكبوتية

سألني أحد الأصدقاء، وهو "ديناصور" من ديناصورات الساحة الثقافية، عن العرس السينمائي، عن الافتتاح والبرنامج والندوة والضيوف وخاصة المتميّز من الأفلام، ما يجب ألاَّ تَفوتَنا مشاهدتُه لقيمته الفنيّة وصُعوبة العثور عليه ثانيةً إنْ ضاعتْ هذه الفرصة.

تحادثنا في الحواشي. وتبادلنا معطيات عامة. ولمّا ألحّ في السؤال، قلت: "انظر في الأنترنات".

اتبسم وقال:

"وماذا في صندوق عجب؟ صورةٌ وبِضْعُ فقَرات مُتناثِرةٍ تَنْفتِحُ على صفحاتٍ بيضاءَ تحمِلُ شارةً تُعبِّرُ عن فِعْلٍ مُعَلَّق مُمْتَدٍّ على كلِّ الأزْمنَةِ حتّى قاربَ المُطلقَ: "بصدد الإنجاز"

ويتلخّص كلّ ما تجده، أينما بَحَثْتَ، في الخطاب التالي:

وينطلق المهرجان السينمائي الأوّل والأعرق في القارات الثلاث في دورته الثالثة والعشرين. والمهرجان هو عروض مبوبة في أقسام: للمسابقات بأصنافها، وقسم لتقديم سينما من العالم، وقسم لتكريم سينما وقسم بانوراما وغيرُها، هي عروض قد تُشْفَعُ بنقاشات مع الجمهور، وبصفة موازية تُنظّمُ ندوة.

والمهرجان أيضا لقاءات للعاملين في الحقل السينمائي المُتَعَدِّدِ المجالات والاختصاصات وأنشطة موازية وسوق لبيع الأفلام وأخرى لِبَرْمِ عقود تمويل الأعمال التي بصدد الإنجاز وورشة للمشاريع وورشة للمنتجين ومنتدى ومعارض.

قلت: "كالعادة، سننتظر انطلاقة المهرجان لنواكبَ ونكتشفَ ما يُقترَحُ علينا من فُرجةٍ ومُحاورة".

قال: "أتدري أنّ أيّام قرطاج السينمائية تذكّرني دوما بـ"الزردة"؟"

قلت: "عجبًـــا".

2. "أمّك طانقو"

قال:

في مثل هذه الأيّام من فصل الخريف، عند انطلاق الموسم الزراعي، دأب أجدادنا الأمازيغ، مثل كلّ الشعوب القديمة، على إقامة الاحتفالات وخرجات الصبايا والأطفال وهم ينشدون متغنّين بالآلهة طالبين ضمان الصّابة وحماية المزروعات من التلف والحيوانات والأهل من كلّ مكروه. وكانت تقام الذبائح وتُقدَّمُ القرابينُ لبعل وغيره من الآلِهَة، ولكن تُقدَّسُ بصفة خاصة رَبّةُ الحُبِّ والخِصْب والعطاء "تانيت" التي تواصَلَ ذكرُها في ربوعنا إلى أيّامِنا هذه في الأرياف وقد تحرّف اسْمُها فصَارَ "أمّك طانقو" وأصبح الاحتفالُ يُسمَّى "زردة" تُنْسَبُ لوليٍّ صالح له مقامٌ تحت قُبّةٍ فوق رَبْوةٍ.

ولعلّك تعلمُ أيْضًا أنَّ "طانقو" أو"تانيت" ليست سوى "عشتار" أو "عشتاروت" الربّة العظيمة في بلاد الرافدين والتي سيتبنّاها الإغريق فيما بعد ويطلقون عليها اسم "فينوس".

وقال: ما أشبه هذا بذاك.

قلت: وأين وجه الشبه بين "زردة سيدك فلان" ومهرجان قرطاج السينمائي؟

قال: أوجه الشبه عديدة:

3. الغرب المتألّه.

• أجواء احتفالية في الزردة كالأعراس تبرمج في شهر أكتوبر، بداية الموسم الزراعي.
• أجواء احتفالية في المهرجان الذي يطلق عليه دوما صفة العرس وتبرمج في شهر أكتوبر، بداية الموسم الثقافي.
• التقرّب لـ"أمّكْ طانقو". وهي عروس عملاقة ترفع على قائمة يطوف بها الأطفال وهم ينشدون.
• التقرّب لـ"تانيت". وهي تمثال من الذهب يتنافس السينمائيون في إطار المسابقة لنيله.
• الإمساك عن أكل اللحم طيلة سنة ثمّ الشبعةُ حتّى البشمةَ بمناسبة "الزردة"
• الإمساك عن الفرجة السينمائبية الجماعية أمام الشاشة الكبيرة طيلة سنتين ثمّ الإقبال على القاعات بنهم وشراهة لمدّة أسبوع لحدّ التخمة.
• الغاية من "الزردة": طلب الغيث النافع، الاستسقاء، وحماية المزروعات، دون التفكير في بناء سدود أو حفر آبار أو تطوير وسائل الري...
• في المهرجان، المطالبة بالسينما الجديّة، الثقافية، الجادة، الفنيّة، البديلة، وانتظارها دون التفكير في شروط وظروف تحقيقها.
• في "الزردة" كلّ السلطة للقائم على مقام الوليّ الصالح. وتحيط هالة شبه مقدسة بفرق المنشدين وتبجّل جوقة البندير (وهو آلة قرع أساسية في مثل هذا اللون من الإنشاد).
• في المهرجان، كذلك الشان. هناك الوزارة راعية الاحتفال وهيئات التسيير وكلّ التبجيل للفنّانين.
• أيّام "الزردة" تنتصب سوق في فضاء الزردة لبيع الحلوى والرّمان ومستلزمات زينة النساء وألعاب للأطفال ...
• بمناسبة المهرجان تنتصب سوق خاصة بالسينما للتوزيع والإنتاج والتمويل والدعم والمنح...
• في الزردة حراك اجتماعي، ثقافي، عقائدي، اقتصادي، وسياسي بالتأكيد. ويتنزّل هذا الحراك في إطار علاقة مع الطبيعة يحكمها الجهل والعجز والخوف والاستسلام...
• في المهرجان هناك طبعا حراك كبير على كلّ المستويات الفنيّة والثقافية والاقتصادية مع توجّهات اجتماعية ورهانات سياسية والكلّ يتنزّل في إطار علاقة مع الغرب المتأله تحكمها قوانين الغالب مع المغلوب.

4. قصعة وطبل وعصا.

قال:

والغريب أنّ المغلوب لا يُغَالِبُ الغالِبَ لأنّه يكاد لا يَبْلغُه، لأنّ الآخَرَ الذي فيه وهو آخَرُهُ، يمنعه من بلوغ الأخَرِ، الذي هو الآخَرُ الآخَرُ.

قلتُ: "لم أفهم".

قال: "يا غَلْبَةَ أمّي وأبي. هذا آخَرُك يتكلم ولستَ أنتَ منْ لا يفهمُ"

قلتُ: "أيّها الديناصور العائد ما المهرجان برأيك؟"

قال: "كعكة، يقتسمها المنشدون من أولياء الله الصّالحين".

قلتُ: "والجمهور؟ والفنّ؟ والسينما؟ ومحبّي السينما؟ ونوادي السينما؟ والثقافة؟ ولجنة تحكيم الأطفال؟ والشباب في سنة الشباب؟..."

قال: "للعامة قصعة وطبل وعصا".

ملاحظة

(*) هذه نافدة نفتَحُها على أعمدة "الشعب" نُطِلُّ من خلالها، أسبوعيا، على عالم الصّورة والسّينما وبها نحاول بعثرة أوراق الملفات المُهمَلة والمُأرشَفة والمُعتّمة والمغلقة والمزيّفة والمطلسمة والمقدّسة والمدنّسة... في مجالات الإبداع (الفنّ) والإنتاج (الصناعة) والفرجة (التجارة)... عسى أنْ نساهم في إعادة ترتيب أوراق سابع الفنون في حياتنا... هو عالم مادته أضواء وظلال ولغته أضواء وظلال ومعانيه من أضواء وظلال وقضاياه بين الأضواء والظلال... ونوافده فُتْحة بين الضوء والظلِّ.!



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني