الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــدد 280
على هامش مهزلة "البلديات":
ثمّ ماذا..؟ هل وقع استيعاب الدّرس؟
أيار (مايو) 2010

انتهت مهزلة الانتخابات البلدية التي جرت يوم 9 ماي الماضي. ولم تكن نتائجها لتفاجئ أيّ عاقل. فرغم أن مكاتب الاقتراع ظلت فارغة طوال اليوم المذكور إلا من عدد قليل من الناس، المنتمين إلى الحزب الحاكم، وغير المتحمّسين أصلا، فإن وزير الداخلية لم يجد حرجا في الادعاء بأن نسبة المشاركة بلغت 83.47% من المرسمين في محاولة منه أولا للإيهام بأن المهزلة لاقت "نجاحا جماهيريا منقطع النظير"، وثانيا: لإيجاد مبرر للنتائج المفبركة بالكامل التي أعلنها والتي أسندت 90.66% من المقاعد إلى الحزب الحاكم (4060 مقعدا من جملة 4478 مقعدا) ووزعت ما تبقى من الفتات (418 مقعدا) في شكل "هبة" أو بالأحرى رشوة سياسية، على أحزاب الديكور وفقا للترتيب المعهود الذي تأتي على رأسه "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين" فـ"حزب الوحدة الشعبية"، فـ"الاتحاد الديمقراطي الوحدوي" فـ"الحزب الاجتماعي التحرري" فـ"حزب الخضر من أجل التقدم". ولم تجن بعض "القائمات المستقلة" كتلك التي تقدمت في جبنيانة والشابة أي مقعد بعد أن زُوّرت النتائج التي حصلت في مركز الولاية ووقع النزول بها إلى ما دون الـ3% (جبنيانة 2.9% عوض 21.48%) التي تمثل الحد الأدنى المطلوب للحصول على "نصيب" من المقاعد "المخصصة" لـ"المعارضة".

لقد نبّه حزب العمال الشيوعي التونسي منذ البداية إلى الطابع المهزلي لهذه الانتخابات معلومة النتائج مسبقا ودعا إلى مقاطعتها. فلا المناخ السياسي الذي تنعدم فيه الحريات انعداما كاملا ولا الإطار القانوني الذي لا يضمن بأي شكل من الأشكال سير الانتخابات وفق القواعد الديمقراطية المتعارف عليها، كانا سيسمحان بأن تجري الانتخابات البلدية في ظروف عادية لتعبّر عن إرادة الناخبين. وقد كان هذا الأمر واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار خصوصا بعدما حدث من مهازل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية لشهر أكتوبر الماضي وما تلاها من تصعيد للقمع وتشديد للانغلاق السياسي. وقد جاءت النتائج اليوم لتؤكد ما نبهنا إليه، وتبيّن مرة أخرى أن نظام حزب الدستور لا "يخاطر" ولا "يلعب" بسمعته كنظام دكتاتوري، بوليسي، معاد للديمقراطية عداء جذريا وجوهريا وهو لا ينفك يعطي الدرس تلو الدرس لكل من يمني النفس أو يتوهّم بأن يراه في يوم من الأيام يلتزم بالمبادئ الديمقراطية ويحترم الإرادة الشعبية.

لقد وجدت بعض "التحاليل" التي سبقت الانتخابات البلدية والتي مفادها أن السلطة قد تلجأ إلى "تليين" سلوكها بعد كل الفضائح التي رافقت مهزلة الرئاسية والتشريعية والتي أضرت بصورة النظام في الداخل والخارج. ولكن الأحداث بيّنت أن السلطة ازدادت غطرسة وصلفا فأجرت الانتخابات البلدية في ظروف أكثر تدهورا حتى من تلك الظروف التعيسة التي جرت فيها "الانتخابات" الرئاسية والتشريعية ولم تتورّع حتى عن تزوير نتائج وقع التصريح بها في مكاتب الاقتراع أمام الملاحظين (جبنيانة، الشابة...). كما بينت الأحداث أيضا خطأ التحليل الذي بنى عليه عدد من المناضلين في جبنيانة والشابة مشاركتهم في الانتخابات. ويتمثل هذا التحليل في أن "الظروف المحلية" في كلتا المدينتين ملائمة للمشاركة ولفرض الإرادة على السلطة المحلية ومنعها من دوس إرادة الناخبين فجاءت الوقائع لتفند مثل هذه التخمينات، ذلك أن المنطق السياسي، كان يقضي بناء الموقف من الانتخابات لا على أساس نظرة محلية، ضيقة، بل على أساس وضع وطني عام، على أساس الظروف العامة التي تجري فيها الانتخابات والتي تحدد طبيعتها ومآلها في نهاية الأمر. فجبنيانة والشابّة ليستا معزولتين عن الوضع العام بالبلاد وخصائصه، والسلطة ما كانت لتتبع سياسة معينة بهاتين المدينتين تختلف عن سياستها في المناطق الأخرى، خصوصا وأنها ماسكة أمنيا بالأوضاع، وليس أدل على ذلك من غياب أيّ ردّة فعل شعبية (تجمّعات، مسيرات...) في جبنيانة والشابة عن التزوير الممنهج والسافر.

إن المهم اليوم أن يستخلص الجميع الدرس وينزع كل طرف الأوهام عن نفسه. لقد ظل نظام حزب الدستور يدوس على مدى أكثر من نصف قرن على الإرادة الشعبية، ولا نعتقد أنه ينبغي انتظار نصف قرن آخر حتى تعم القناعة بأنه نظام دكتاتوري، استبدادي، معاد للديمقراطية وأنه لن يقبل إطلاقا عن طواعية أن يتمتع الشعب التونسي بحريته وحقوقه الأساسية وأن يمارس بالتالي حقه في اختيار من يمثله ومن يحكمه على كافة الأصعدة الوطنية والجهوية والمحلية. لقد آن الأوان لكي تكتل المعارضة المستقلة بحق صفوفها من أجل وضع حد للاستبداد والدكتاتورية وخلق المناخ المناسب لكي يمارس الشعب التونسي سيادته.

إن نظام بن علي بعد أن داس على الإرادة الشعبية في انتخابات أكتوبر 2009 الرئاسية والتشريعية وفي انتخابات 9 ماي 2010 البلدية وأعاد بسط نفوذه على الحياة العامة عن طريق التزوير الممنهج والقوة البوليسية الغاشمة يعد العدة لانقلاب جديد على "الدستور" لكي يفتح الباب للتمديد لبن علي لولاية سادسة (2014- 2019) تكريسا لرئاسة مدى الحياة غير معلنة، ولإيجاد صيغة من صيغ توريث الحكم أيضا حتى لا تفلت في صورة وفاة بن علي قبل 2014 وبعده، من أيدي العائلات المتنفذة، صاحبة المصلحة في الاستبداد وفي قمع الشعب وحرمانه من حقوقه. وتمثل هذه المسألة محكا أساسيا للمعارضة المستقلة في بلادنا لكي ترقى إلى مستوى طموحات الشعب التونسي وتفرض التغيير الديمقراطي المنشود في مواجهة مع مخططات "التمديد" و"التوريث" للاستبداد وهو ما يقتضي نقاشا مباشرا وجديا حول شروط هذا التغيير وبرنامجه وآليات تحقيقه. فهل يكون لدعواتنا ونداءاتنا هذه المرة الصدى المنشود لدى مختلف القوى السياسية والمدنية الراغبة في التغيير؟ ذلك ما نأمله.

في هـذا العـدد
أخبار
مقالات



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني