الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الجوع والفقر وجهان للرأسمالية المتوحشة
الجوع والفقر وجهان للرأسمالية المتوحشة
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

يشهد العالم بفضل انجازات البشرية في صراعها المتواصل مع الطبيعة نموا مستمرا للثروة يجسده تزايد الناتج الخام العالمي ونمو مختلف القطاعات المنتجة والخدمات لكن ما يثير الاستغراب أن هذا النمو لم يقترن بتقلص ظاهرتين لازمتا الإنسان منذ العصور القديمة وتوهمت ألا وهما الجوع والفقر.

وقد كشفت تقارير المنظمات الدولية المختصة تزايد الجوع والفقر في العالم وبلوغهما أرقاما مفزعة تثير أكثر من سؤال حول مصير جزء هام من البشرية في ظل عولمة متوحشة كان منظروها «يبشروننا» بمستقبل أفضل.

الجوع ليس قدرا

فقد كشف تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة سنة 2009 أن الإنتاج العالمي من الغذاء وخاصة من الحبوب قد سجل سنة 2008 أرقاما قياسية إذ تجاوز 2.2 مليار طن محققا نسبة نمو ب 2.8% عن السنة التي سبقتها وهو ما كان يمكن أن يقترن مبدئيا بانخفاض عدد الجائعين في العالم لكن عدد هؤلاء وحسب نفس التقرير قد تجاوز في نفس السنة 960 مليون نسمة بزيادة 40 مليون جائع جديد عن السنة التي سبقتها رغم ما ذكرناه من تحسن في الإنتاج العالمي.

أما في سنة 2009 فقد واصل عدد الجياع الارتفاع ليتجاوز عتبة المليار نسمة رغم أن كل التوقعات كانت تتفاءل بانخفاض عددهم بناء على وجود مخزون غذائي عالمي هام أفرزته الصابة القياسية التي ذكرناها. وتعتبر إفريقيا (مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة القرن الإفريقي خاصة) وبلدان آسيا الجنوبية ( في مقدمتها البنغلاداش والباكستان) أهم معاقل هذه الآفة المهينة للإنسانية حيث يشكو 43 بلدا إفريقيا و25 بلدا آسياويا من نقص غذائي متفاوت الحدة. كل هذا يجعلنا نتساءل عن سر هذا التلازم بين الوفرة في الإنتاج واتساع معضلة الجوع.

أول الأسباب يتمثل في المضاربة التي تمارسها الاحتكارات الرأسمالية خاصة الأمريكية الأصل في ميدان الحبوب مثل شركة كارغيل وآرشار دانيالز ميدلاندز ومينيابوليس وغيرها التي تتحكم في تجارة هذه المواد الحيوية وتوجه السوق والأسعار داخلها في اتجاه يحقق لها أوفر الأرباح عن طريق التقليص من العرض من خلال تكوين مخزونات بما يمكنها من ترفيع الأسعار وفقا لقانون السوق لذلك شهدت أرباحها نموا سريعا. فشركة كارجيل مثلا قفزت أرباحها إلى مليار دولار في الثلاثية الأخيرة وحدها لسنة 2008. كما أن بعض هذه الشركات ومعها بعض البلدان الغنية باتت تمتلك مساحات زراعية شاسعة في عديد البلدان النامية فوفقا للأسبوعية الفرنسية «فرنسا الفلاحية» تمتلك شركات غذائية صناعية أوروبية 15% من المساحة الزراعية الجملية لرومانيا. كما أن كل من الصين الشعبية وكوريا الجنوبية واليابان والإمارات العربية المتحدة تمتلك مجتمعة خارج ترابها الوطني قرابة 8 ملايين هكتار من الأراضي الفلاحية خاصة في الباكستان والسودان وأندونيسيا وغيرها وتهدف هذه الدول من وراء هذا التوجه إلى ضمان أمنها الغذائي ولكن أيضا استخدام جزء متزايد من هذه المساحات في زراعة محاصيل لإنتاج الوقود الحيوي بدلا من الغذاء. وقد كان من نتائج هذه «الامبريالية» الزراعية انتزاع ملكيات صغار الفلاحين خاصة من ينشط منهم في مجال الزراعات المعاشية وبالتالي فإن ارتفاع الإنتاج الفلاحي في البلدان التي ينشط فيها المستثمرون الأجانب لن تكون له فائدة على شعوبها بل بالعكس فإنه تحقق على حساب أمنها الغذائي.

ثاني هذه الأسباب يكمن في تفكيك البنية الإنتاجية التقليدية في الأرياف قد أفرز تكثف حركة النزوح من الأرياف نحو المدن التي تحوّلت نتيجة لذلك إلى مراكز لتجميع الفقراء والجائعين خصوصا مع تفشي البطالة وتراجع الدخل.

أما ثالث الأسباب فيرتبط بتأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت في انخفاض المداخيل وفقدان مواطن الشغل وبالتالي تراجع قدرة الفئات الفقيرة والمهمشة على الحصول على الغذاء.

الفقر ملازم للرأسماليّة

في اتجاه متواز مع ارتفاع الثروة العالمية تزايد عدد الفقراء في العالم إذ ورد في تقرير لصندوق النقد الدولي نشر في أفريل 2009 « أن ما بين 55 إلى 90 مليون شخص إضافي سيقعون ضحية للفقر المدقع» خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء وآسيا الجنوبية حيث نجد أكبر تجمع للفقراء في العالم. يفسر التقرير هذا التوسع لبقعة الفقر بتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية وما تبعها من ارتفاع في أسعار المواد الأساسية ومن انخفاض في دفق الاستثمار الأجنبي وتقلص قيمة التحويلات النقدية للعمال المهاجرين نحو أوطانهم الأصلية وتراجع عائدات تصدير المواد الأولية نتيجة انخفاض أسعارها في ظل تقسيم عالمي للعمل يمكن الدول الرأسمالية من التحكم في السوق العالمية عرضا وطلبا .

أما المكتب العالمي للشغل فقد نشر في جانفي 2009 تقريرا تضمن: «إن العالم سيشهد إحالة 38 مليون شخص إضافي على البطالة» . كما أن 1400 مليون عامل سيعيشون في تلك السنة تحت خط الفقر أي بدخل يومي يقل عن دولارين. ويتركز العدد الأكبر من هؤلاء في البلدان النامية حيث يقترن فقر الغالبية الساحقة من السكان بضعف الميزانيات المخصصة للمجالات الاجتماعية مما يزيد من معاناة الفقراء. ففي هذه البلدان تخصص نسبة 2.8% من الناتج الداخلي الخام للنفقات الاجتماعية وهي لا تفوق كثيرا من حيث النسبة ما تخصصه البلدان الرأسمالية لمكافحة السمنة أي 2.1% مع مراعاة الفوارق الكبرى في الدخل بين المجموعتين.

في العموم تكشف لنا هذه التقارير أن الإنسانية مازالت تواجه معضلتين: الجوع والفقر برغم التقدم الذي أحرزته في كل المجالات كما أن هذه التقارير قد ركزت على العوامل الظرفية دون الهيكلية المتمثلة في الآليات التي تسير النظام الاقتصادي العالمي الذي تتحكم فيه الاحتكارات الرأسمالية وتوجهه وفقا لمصالحها متغاضية عن مصالح الشعوب.

محمود نعمان



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني