الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الفيضانات ليست أقل رحمة من الحكومات المتعاقبة
القيروان:
الفيضانات ليست أقل رحمة من الحكومات المتعاقبة
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

وها نحن نتجرأ كما كنا دائما على المحرم والممنوع، ها نحن نتوغل عنوة داخل متاهات التشرد والضياع، أناس متعبون، تائهون، تجرعوا ما قد تجرعوه من أوهام النظام والعهود البائدة، فقراء مستضعفون نراهم متقوقعون داخل بوتقة آلامهم.

هذه أوجاعهم الأخرى، نكتبها ليقرأها الكل عند الصباحات وقبل المساءات النائية الهاربة.

-1 أمطار جارفة تغزو البلاد مع تجاهل مخجل لسلطة

عرفت مدينة القيروان سنة 1968 فيضانات عارمة أدت إلى خسارة فادحة وأهلكت البلاد والعباد، كم من عائلة شردت وكم من البيوت هدمت، وقد تجاهلت السلطات منكوبي الفيضانات وغضت النظر عن خسائرهم المادية والبشرية حيث فقد معظم الأهالي مؤوناتهم آنذاك ومخزونهم من أسمدة ومتاع ولا زال معظم متساكني المنطقة يعيشون على وقع الكارثة.

ونظرا لضعف الحقبة البورقيبية وانشغال الحكومة بأبهة الحاكم الخاصة وتكالبها على السلطة والسرقات العلنية فإنه لم يقع تعويض المتضررين ولو بمبالغ مادية ضئيلة وبقي حال السكان كما هو يعولون على تضامنهم فيما بينهم للتخفيف من مآسيهم يلوكون الفقر والقهر بعد أن فقدوا مواشيهم وشردتهم مياه الأمطار.

كما تعرضت مدينة القيروان في العديد من المناسبات إلى كوارث طبيعية مختلفة من رجات أرضية وزوابع رملية وفيضانات خلّفت ما قد خلّفته من خسائر بشرية.

إن مدينة القيروان، ونظرا لانبساط مساحتها، تعد فريسة سهلة للأمطار الغزيرة حتى تأتي على الأخضر واليابس فيعيد التاريخ نفسه في كل مرة من هذه البلدة البسيطة.

الرقادة، الوسلاتية، السبيخة، المنطقة الخضراء من حي المنصورة، جل هذه المناطق كانت قد شهدت ما شهدته من مآس وأزمات واستفحال لمظاهر الفقر والخصاصة فيها جراء الفيضانات.

تعيش القيروان اليوم نكبة أخرى، ألم آخر على أنقاض المصائب المتتالية التي لا تقل ضررا عن تلك التي تعوّدتها منذ عقود، وليس غول الفيضانات بغريب عن البلاد وأحوا زها وإنما هو موعد يتجدد منذ القدم.

تجتاح الأمطار المنازل والبيوت، تجرف معها الأثاث بالكامل ويتجمع أهالي رقادة كهولا وشبابا يحاولون عبثا التخلص من الأوحال والمياه الراكدة دون تدخل يذكر للحماية المدنية أو لطاقم الإنقاذ الذي عجز في أغلب المناطق عن المساعدة نظرا لعدم تعود الإطارات والأعوان على إغاثة المنكوبين.

-2 فقراء يستغيثون ومستضعفون يدفعون الثمن على أرصفة التشرد

وفي ظل هذه الظروف المزرية يخرج جميع الأهالي من ديارهم بعد فقدانهم كل شيء، يعودون بخفي حنين، هم الآن خارجا يعانون البرد والجوع ويتوسدون أوجاعهم.

وفي خضم هذه الكارثة تنشغل الحكومة بحوارات زائفة ونقاشات لا تسمي ولا تغني من جوع. مستضعفون ضائعون يجرفهم تيار الأودية وحكومة عاجزة كما عهدناها.

فقراء يستغيثون وسط متاهة التشرد، وحكومة أخرى لا تختلف عن سابقتها من حيث التوجهات، مصير مجهول لضحايا الفيضانات، ويأس قاتل يملأ جذوره داخل أنفس المكابرين والفلاحين.

وتعتبر منطقة الوسلاتية من أكثر المناطق تضررا جراء الفيضانات حيث فقد معظم الفلاحين مواشيهم ومدخراتهم فقد عاش الأهالي صبيحة الأربعاء الموافق للثاني من نوفمبر الجاري نكسة كبرى ساهمت في تفقيرهم وتراجع معيشتهم، ناهيك عن العائلات المتشردة التي فقدت كل شيء في آن.

واعتمد المتضررون على تضامنهم فيما بينهم معبرين عن عدم ثقتهم بحكومة الالتفاف وإيمانهم الكبير بضعفها ومماطلتها الدائمة.

«نحن لا نعول على حكومات فاشلة وأحزاب تنتهز الفرص وساسة تتكالب.. نحن قد جبلنا على الفقر والمعاناة.. وهل أضرتنا الأمطار بقدر ما أضرتنا السلط التي كرست منذ أمد لعبوديتنا موتناَ؟» هكذا قال أحد المتضررين من مدينة الوسلاتية ثم لاذ بالصمت.

أوحال هنا وهناك، محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وانتظار ممل لقطار مساعدة لن يمر.

فقراء تضرروا وآخرون يقبعون خارجا زادهم إيمانهم بتضامنهم وبثورة كانت قد اندلعت لنصرتهم.

إن تجاهل السلط مند الحقبة البورقيبية مرورا بعهد الدكتاتور المخلوع لهذه النكبات والكوارث الطبيعية ساهم في تفقير الشعب ونشر الأمية وتراجع هيبة الدولة.

كما يعدّ جشع الحكومة وتكالبها على المناصب والرغبة الملحة في السيطرة والنفوذ سببا رئيسيا في بروز تونس الطبقات ومظاهر اللامساواة والتمييز الاجتماعي المفضوح.

وتعيد حكومة الالتفاف أخطاء التاريخ المعهودة لتكون استمرارا لبرنامج بن علي ويظل الكادح ينتظر أن يتغير الوضع والموضوعون، على ضفاف اليأس.

محمد الحربي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني