الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > ... سمفونية الإنسان الجديــــــد.!
... سمفونية الإنسان الجديــــــد.!
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
رضا البركاتي ridhabarkati@gmail.com

مع التحيّة إلى زهرة وفتحي وقيس وكلّ الأخريات والآخرين. !

لمّا وجدتُ، سنة 2010، نصّ سارتر الذي يتحدّثُ عن مسؤولية الكاتب بين يدي صديقي وزميلي قيس وزميلاته، أساتذة الآداب الفرنسية، بمعهد برج السّدرية، وجدتُ فيه، رغم قِصَره، عدّة مسائل تخُصّ الأديبَ مطروحة بوضوح ودقّة مثل: الالتزام والمبدئية والمسؤولية.

كما وجدته نصّا آنِيًا رغم أنّه نُشر سنة 1948 - ويبدو أنّه كُتِبَ، قبل ذلك، أثناء الحرب الثانية، ويذكر أحداثا جدّت منذ عقود ويُذكِّر بوقائع مرّت عليها قرون.

ووجدتُه أيضا نصّا يناسب راهن أوضاعنا، هنا، في بلاد الضّاد، رغم لغته الأعجمية ومجاله الغربي.

ذلك أنّ التاريخ الإنساني في جوهره واحد مع اختلاف التجارب والثقافات وتنوّع الخصوصيات... هو عالم واحد مشكّل من أصوات متعدّدة.

من هنا كانت الحاجة إلى استضافته في لغتنا فاستعنت عليه بصديقي الناقد الأستاذ فتحي أورير والزميلة زهرة أستادة الفلسفة.

ثمّ اجتهدتُ فذيلتُه بتعريف الأعلام الذين جاء عليهم ذكر الفيلسوف، الأديب، المثقف، الثوري جون. بول. سارتر حتّى ننير كلّ نقطة ونوسّع من ثقب كلّ إطلالة على التجارب الأخرى ومعارك الآخرين. فمع كلّ حكاية حِكْمة ووراء كلّ عَبْرةٍ عِبْرةٌ ومن كلِّ قطرة دمٍ تنْبُتُ وردة.

عسى أن تجدَ هذه الأصواتُ الإنسانية الخالدة الذكرِ أصداءَها في نفوس مثقفينا وأدبائنا ومسرحيينا وسينمائيينا ورسامينا ومبدعينا وعموم فنانينا و.. شبابنا الصّاعد.

عسى أن تستيقظ أصواتُ الضمائرِ وتتناغمَ فتُؤلفَ سمفونية الإنسان الجديد.

مسؤولية الكاتب*

بما أنّ الكاتبَ مُتَمَوْقِع في عصره فإنّ لكلّ كلمةٍ أصداءً كما لكلّ صمتٍ صداه. لذلك أعْتَبِر فلوبير [1] وغنكور [2] مسؤوليْن عن القمع الذي تبِع الكومونة [3] لأنّهما لم يكتبا سطرا واحدا لتفاديه. قد يُقَال : لم يكن ذلك شأنَهما. ولكن هل كانت مقاضاة كالاس [4] قضية فولتير [5] ؟ وهل كانت محاكمة دريفوس [6] قضيّة زولا [7]؟ واحتلال الكونغو هل كان قضيّة جيد [8]؟ لقد قدّر كلّ واحد من هؤلاء الكتّاب، في ظرف مُحدَّد من حياته، مسؤوليتَه ككاتب.

ونحن، لقد علّمنا الاحتلالُ [المقصود الاحتلال النازي لفرنسا من 39 إلى 1944] مسؤوليتَنا. ولأنّنا نؤثّر في عصرنا بوجودنا ذاته فلقد قرّرنا أن يكون تأثيرُنا فعلا إراديا. ويجب أن نوضّح أيضا: ليس نادرا أن ينشغل كاتبٌ ما، من وِجهة موقعه، بإعداد المستقبل. ولكن هناك مستقبل غامض ونظري يعني الإنسانية قاطبة ولا نملك مفاتيحه: هل تكون للتاريخ نهاية؟ هل تنطفئ الشمس؟ كيف ستكون ظروف الإنسان في النظام الاشتراكي سنة 3000؟

لنتركْ الأضغاث لروائيي الاستشراف وليكنْ مستقبل عصرنا هو موضوع اهتماماتنا: مستقبل محدّد، بالكاد ينفصل عن العصر لأنّ العصر مثل الإنسان هو قبْل كلّ شيء مستقبل. إنّه مشكّل من أعماله الجارية ومِمّا يُباشِرُ ومن مشاريعه القريبة أو البعيدة المدى ومن ثوراته ومن صراعاته ومن آماله: متى ستنتهي الحرب؟ كيف سنعيد بناء البلد؟ كيف سننظم العلاقات الخارجية؟ كيف ستكون الإصلاحات الاجتماعية؟ هل تنتصر القوى الرجعية؟ هل تكون هناك ثورة؟ وماذا ستكون؟ هذا المستقبل نصوغُه مستقبلا لنا ولن نرضى بغيره بديلا.

جون بول سارتر [9] .
Jean Paul Sartre
,
Situations. 1948

* ترجمة رضا البركاتي ومراجعة الأستاذ فتحي أورير.

هوامش

[1فلوبير، غوستاف، (gustve flaubert 1821 - 1880). من أشهر أدباء وروائيي
النصف الثاني من القرن التاسع عشر. معروف
خاصة بروايته ذائعة الصيت «مادام بوفاري »
(Mme Bovary) ثم بروايته التاريخية التي
اختار لها قرطاج إطارا وصالامبو بطلة وعنوانا
(Salambo).

[2غنكور، (Edmont De Goncourt 1896 – 1822)
كان من زمرة أدباء النصف
الثاني من القرن التاسع عشر أي الذين عاصروا
كومونة باريز وهو معروف خاصة بتأسيسه
لأكاديمية كونكور التي تسند كل سنة جائزة
كونكور.

[3الكومونة، المقصود كومونة باريس (La
Commune de Paris) أي النظام الجماعي
الذي أسّسه نواب شعب باريز سنة 1871 ودام
71 يوما من مارس إلى ماي. وجاء في موسوعة
ويكيبيديا: «يعتبر الشيوعيون دولة كومونة باريز
أوّل دولة اشتراكية في العصر الحديث، إستولت
على السلطة في فرنسا لمدة شهرين. قامت بتعديل
لون العلم الفرنسي إلى اللون الأحمر، وأجرت
العديد من الإصلاحات أهمها الإصلاحات
التربوية ومن ثم فصل الدولة عن الدين، وتم
إلغاء العمل الليلي، ومنع الغرامات والضرائب
المفروضة على أجور العمال، واستطاعت تشغيل
المعامل التي تركها أصحابها هرباً ولجؤوا إلى
«فرساي »، تحوّل العمال والعاملات إلى جنود
فوق المتاريس للدفاع عن إنجازهم لكن كان قمع
الثورة دمويا بشكل فظيع على يد الوزير «تيير ،»
وذلك في الأيام الستة الأخيرة من عمر الثورة،
سقطت الثورة بعد مجازر دموية لكنها كانت النار
التي أوقدت العديد من الثورات الاشتراكية بعدها
وما زال الشيوعيين حول العالم يحتفلون بذكرى
كومونة باريس .»

[4قضية كالاس، Jean Calas ، هي قضية
مواطن من مدينة تولوز الفرنسية، في أواسط القرن
الثامن عشر، اشتهرت بفضل تدخل «فولتير »
احتجاجا على المعاملة التي كانت تخصص
للمظنون فيه، للمتهم، للمذنب... فالسيد كالاس مرّ
بهذه الوضعيات دون محام ولا حجج ولا براهين
وإنما بالاعتماد على قوانين خاصة وعلى سريّة
التحقيق وعلى بعض الأساليب الموروثة عن
محاكم التفتيش القروسطية... كان ذلك على خلفية
النعرات الدينية لأنّ عائلة السيد كالاس تنتمي إلى
المذهب البروتستاني... !

[5فولتير، (11 نوفمبر 1694 - 30 ماي 1778) يعتبر فولتير من أشهر رواد
الفكر والأدب والثقافة في القرن الثامن عشر، قرن
الأنوار، بفرنسا وفي أروبا. وهو معروف بكتاباته
الفلسفية وبنضاله ضدّ الظلم السياسي والاجتماعي
والتعصّب الديني والقهر والحرب... وهو الكاتب
الذي يقود النضال من أجل الإصلاحات السياسية
والاجتماعية... كانت كتاباته تنقد الملك والكنيسة...
ويتشكل أثره من مجموعة واسعة من الكتابات في
عديد الأنماط الأدبية: روايات وحكايات ومسرح
ومقالات نقدية وشعر ملحمي ومقالات علمية
وثقافية... ورسائل...

[6دريفوس: هو (le capitaine Alfred
Dreyfus) فرنسي أصيل جهة الألزاس بالشمال
الشرقي الفرنسي على الحدود الألمانية ويدين
بالعقيدة اليهودية. اتهم بالخيانة وحوكم فكانت
محاكمته خطأ قضائيا فادحا فالتهمة الموجهة له
بتسليم وثائق فرنسية إلى ألمانيا انبنت على خلفية
أجواء الجوسسة ومعاداة السامية. ودامت المحاكمة
12 سنة انقسم خلالها )ولوقت طويل بعدها(
المجتمع الفرنسي إلى: - كتلة المعادين للسامية.
– وكتلة المناصرين لدرايفيس... وفي هذا الإطار
جاء نص زولا الشهير «أتهم (J’accuse)»

[7زولا، أميل، Emile Zola . ولد بباريز
وتوفي بها (1840 – 1902) أديب وصحفي
فرنسي يعتبر رائد التيار الأدبي والفني المعروف
ب «النزعة الطبيعية .(le naturalisme) »
خاض معركة في الدفاع عن درايفيس فنشر في
1898 مقاله الشهير (J’accuse) فحوكم بتهمة
«الثلب » ونفي إلى لندرة... من أشهر مؤلفاته
«جرمنال (Germinal)» ( الذي صوّر فيه معاناة
عمال مناجم الفحم بالشمال الفرنسي ونضالاتهم
من أجل الحقوق والكرامة...

[8جيد، آندري – André Gide (1896
1951) ولد بباريس وتوفي بها أصيل مقاطعة
نورمانديا. نال في 1947 جائزة نوبل للآداب.
يصطدم الأديب المولع بالجمال والباحث عنه
ببشاعة الاستعمار ومعاداته للقيم الإنسانية وذلك
أثناء جولته بالقارة السمراء. نشر سنة 1927
«رحلة في الكونغو » تنديدا بالاستعمار وهذا مما
يشير إليه سارتر...

[9جون بول سارتر ،,(Jean Paul Sartre)
فيلسوف وكاتب فرنسي له روايات ونصوص
مسرحية وأقاصيص ولد بباريز وتوفي بها
( 1905 – 1980). غالبا ما كانت حياة هذا
المثقف الثوري تثير الجدل والحروب الكلامية
والتحفظات... هو مناضل مصطف على اليسار
وملتزم بالقضايا العادلة فرغم ابتعاده عن الحزب
الشيوعي بقي سارتر ملتزما بعديد القضايا مما
جعل منه هدفا لضربات وهجومات «المؤتمر
من أجل حرية الثقافة » المنظمة الثقافية المعادية
للشيوعية التي تأسست سنة 1950 :
- ساند الجمهوريين في حرب إسبانيا ضد الفاشية
وأهدى سنتها، سنة »،1936 الجدار » )مجموعة
قصصية( لحرب إسبانيا من أجل الحرية...
- منذ سنة 1956 وقف سارتر، وكذلك مجلته
الفكرية «الأزمنة الحديثة » إلى جانب الشعب
الجزائري في نضاله من أجل الاستقلال. كما
ندد بممارسة التعذيب... وأثناء محاكمة لقنوات
المساندة لجبهة التحرير الجزائرية سنة 1960 ،
أعلن سارتر أنه «حامل حقيبة جبهة التحرير
الجزائرية ». فعرض بذلك نفسه للخطر إذ تم تفجير
شقته مرتين كما تم حجز مجلة «الأزمنة الحديثة »
خمس مرات...
- ساند سارتر الثورة الكوبية والتقى )صحبة
رفيقته سيمون دي بوفوار( أرنستو شي قيفار في
كوبا سنة 1960 .
- شارك في التحركات في ماي 1968 ووقف
إلى جانب الشباب خطب في السوربون وعلى
أبواب المصانع المضربة... وأجرى حديثا مع أحد
زعماء الانتفاضة الطلابية كوهين بانديت (Cohen Bendit) على أعمدة إحدى أهم المجلات
الأسبوعية في فرنسا (le nouvel observateur
) - ساند الشعب الفيتنامي في نضاله من أجل
التحرر من التدخل الإمبريالي الأمركي...
- رفض جائزة نوبل للآداب سنة 1964



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني