الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أوضاع السجناء السياسيين لم تتحسن والحل الحقيقي في إطلاق السراح وسن العفو التشريعي (...)
أوضاع السجناء السياسيين لم تتحسن والحل الحقيقي في إطلاق السراح وسن العفو التشريعي العام
28 أيار (مايو) 2005

لم تنفك المنظمات والجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية تثير منذ سنوات قضية السجناء السياسيين الذين يعيشون في عزلة كاملة، داخل زنزانات انفرادية وهي حالة يمنعها القانون التونسي الذي يحجر السجن الانفرادي عدا في حالة التحقيق أو العقوبة على أن لا تتجاوز مدة العزل الـ10 أيام. كما تمنعها التشريعات الدولية التي تعنى بحقوق السجناء خاصة وحقوق الإنسان عامة والتي تعتبر العزل شكلا من أشكال التعذيب التي تهدف إلى تدمير السجين جسديا ومعنويا. وقد ظلت السلطات تلازم الصمت حيال وضعية السجناء المعزولين، البعض منهم منذ اليوم الأول لإيقافه الذي يعود إلى حوالي 15 سنة (مثال الصادق شورو، القيادي في حركة النهضة المحكوم عليه بالسجن المؤبّد) وتكتفي بأجوبة عامة كلما أثيرت ظروف الاعتقال في السجون التونسية، زاعمة أن هذه الظروف مطابقة لـ"المعايير الدولية"، وهي تمنع في نفس الوقت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية على حد السواء من زيارة هذه السجون للتثبت في مدى صحة ما يقال. وفي الآونة الأخيرة وبمناسبة الزيارة التي أداها وفد من منظمة "هيومن رايتس واتش" (مرصد حقوق الإنسان) لتونس، والتي قابل خلالها بعض المسؤولين الرسميين، صرح هذا الوفد في ندوة صحفية عقدها يوم 20 أفريل، أن السلطات التونسية وعدته بوضع حد للحبس الانفرادي "حتى لو كان بطلب من السجين ذاته".

وما يلاحظ بهذا الصدد أن السلطة وإن كانت اعترفت بوجود سجناء في الحبس الانفرادي، فإنها حاولت ضمنيا تبرير وجودهم هذا بأنه "بطلب منهم". وهذه كذبة أولى إذ أن عزلة السجناء السياسيين في تونس ليست إرادية بل مفروضة عليهم فرضا من إدارة السجون التي تنفذ الأوامر التي تصلها من "فوق" لأن السياسة المتبعة إزاء السجناء السياسيين لا تحدد طبيعتها إدارة السجون بل القصر، أي بن علي، ووزارة الداخلية. ويمثل الحبس الانفرادي جزء من هذه السياسة التي تهدف إلى تدمير هؤلاء السجناء نفسيا وذهنيا وجسديا بتركهم في عزلة مطلقة لا عن العالم الخارجي فحسب بل كذلك عن بقية السجناء. فالحبس الانفرادي هو سجن داخل السجن وعقاب إضافي إلى العقاب الأصلي الذي هو الحرمان من الحرية، لذلك تحرّمه التشريعات الدولية وتعتبره شكلا من أشكال التعذيب وبالتالي جريمة تستحق العقاب.

أما الكذبة الثانية فتتعلق بالعهد الذي أخذته السلطة على نفسها بوضع حد للحبس الانفرادي. فمن المفروض أن يكون رفع العزلة مدخلا لتحسين ظروف الاعتقال ولكن الذي حصل بالنسبة إلى العديد من ضحايا الحبس الانفرادي أمثال الصادق شورو ومحمد العلوي وعبد اللطيف بوحجيلة (سجن تونس) ولمين الزيدي والطاهر الحراثي (سجن الهوارب) وحمادي الجبالي وبوراوي مخلوف وعبد الحميد الجلاصي (سجن المهدية) وعبد الكريم الهاروني ومحمد العكروت والعجمي الوريمي وخالد الكواشي ومحي الدين الفرجاني (سجن صفاقس) ولطفي السنوسي والصحبي عتيق ونجيب الغربي ودانيال زروق (سجن برج العامري)، وجميعهم من المساجين "الإسلاميين"، أنهم وجدوا أنفسهم، بعد رفع العزلة عنهم، في ظروف أتعس من التي كانوا فيها (ضيق، قلة تهوئة، أوساخ…). فالزنزانة التي كان يعيش فيها سجين بمفرده أصبح يعيش فيها ثلاثة أو أربعة سجناء مما جعل البعض منهم (حمادي الجبالي، عبد اللطيف بوحجيلة…) يضرب عن الطعام احتجاجا على وضعه الجديد.

إن أي ديمقراطي حقيقي لا يمكنه أن يقبل بأي شكل من الأشكال مثل هذا التنكيل ومثل هذه الممارسات الوحشية التي يخضع لها اليوم المساجين "الإسلاميون" والتي كان خضع لها بالأمس سجناء الرأي من مختلف النزعات الفكرية والسياسية والانتماءات التنظيمية. وإذا كان مطلوبا إدانتها بشدة والضغط على السلطات لوقفها فورا فإن المطالبة بإطلاق السراح وسن العفو التشريعي العام يبقى الحل الوحيد الكفيل بوضع حد لمعاناة المئات من المساجين السياسيين الذين يقبعون بمعتقلات بن علي الوحشية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني