الصفحة الأساسية > البديل الوطني > البطش لن يزيد الأهالي إلا إصرارا على المقاومة
الدكتاتورية تمعن في التنكيل بأهالي الحوض المنجمي:
البطش لن يزيد الأهالي إلا إصرارا على المقاومة
25 أيلول (سبتمبر) 2008

ما زالت حتى أيامنا هذه كل الأخبار الواردة من منطقة الحوض المنجمي دالة ليس فقط على تمسك نظام بن علي بخيار القوة الغاشمة والقمع الأسود لمعالجة المشاكل الاجتماعية وإنما إيغاله دون حدود في هذا الخيار بهدف وحيد هو تكميم الأفواه وفرض صمت القبور على الجميع. وفي هذا الإطار تم يوم 27 جويلية الماضي خنق المسيرة النسائية (ما بين 400و500 امرأة حسب تقديرات البوليس) التي دعت إلى إطلاق سراح الموقوفين من بلدة الرديف. ووقع الاعتداء بالقوة على الكثير منهن كما تم التحقيق مع البعض منهن (جمعة الحاجي وأختها...) وتخويفهن دون أن ننسى الاحتفاظ بالناشطة زكية الضيفاوي (أستاذة من القيروان) و6 آخرين جلهم من قطاع التعليم ورميهم بالسجن المدني بقفصة لقضاء عقوبة بالسجن تتراوح ما بين 6 و8 أشهر.

وفي ذات السياق، عرفت بلدة المظيلة في منتصف شهر أوت حملة اعتقالات واسعة راح ضحيتها مرة أخرى العشرات من الشبان على خلفية عودة الاحتجاجات المنادية بالحق في الشغل والرافضة للوعود الزائفة والتسويف. والملفت للانتباه مرة أخرى هو تعرض جل المعتقلين إلى صنوف شتى من التعذيب على يد رئيس فرقة الإرشاد بقفصة سيء الصيت محمد اليوسفي وبعض أعوانه، علما بأن معظم الموقوفين اعتقلوا بناء على تقارير ووشايات قديمة تعود إلى مشاركتهم في احتجاجات سابقة.

أما بالرديف وأم العرائس وبدرجة أقل المتلوي فإن عصابات البوليس السياسي والمخبرين تواصل يوميا تمشيط المقاهي والشوارع للتحرش بالمواطنين واستفزازهم الذي عادة ما ينتهي بإيقاف بعض الشبان والتنكيل بهم وسلب هواتفهم الجوالة وما لديهم من أموال وتلفيق قضايا ضدهم. ولا يزال المئات من أبناء هذه المنطقة وراء القضبان إما يقضون عقوبات جائرة أو ينتظرون دورهــم للمثول أمام القضاء في محاكمات صورية عادة ما يرافقها اعتداء على حق المتقاضي وعلى لسان الدفاع على حد السواء. وقد وضع بعض المعتقلين في سجون بعيدة عن أهاليهم لضمان "الهدوء" في السجن والتنكيل بأهاليهم وإغراقهم في المتاعب المادية والمعنوية (الزيارة...) مثلما هو الحال مع أسرتي عدنان الحاجي و بشير العبيدي (سجن القصرين) أو عائلة الطيب بن عثمان (سجن بوزيد).

إن مجمل الوقائع التي ذكرناها علاوة على تواصل بقاء حشود قوات القمع بالمنطقة والجهة عموما لتؤكد بشكل صريح أن نظام بن علي ماض في سياسة العصا الغليظة في وجه الحركة الاحتجاجية الاجتماعية بهدف الإجهاز عليها ووأدها في أسرع وقت ممكن مستغلا العطلة الصيفية (ضعف التعبئة في الوسط الديمقراطي الداخلي والخارجي، عطلة طلابية وتلمذية...) ضمانا لشيء من "الهدوء" قبل انطلاق السنة السياسية الجديدة التي تبدو مثقلة برهانات مهمة (مفاوضات اجتماعية، أزمة اقتصادية في ظل وضع دولي صعب اقتصاديا، انتخابات 2009 إلخ..) وهو ما يتطلب وفق المنظور الفاشستي النوفمبري تهيئة "الهدوء والاستقرار" حتى لو اقتضى الأمر بقوة الحديد والنار وإشاعة الرعب في نفوس المواطنين حتى يقبلوا خانعين بما يلحقهم من خراب في كل أوجه حياتهم.

ذاك حساب الفريق الحاكم، وذاك ما يعنيه تشغيل ماكينة القمع البوليسي والقضائي ضد أهالي جهة قفصة وفريانة وكل من "تسوّل" له نفسه المطالبة بالحقوق مثلما يفهم من كلام بن علي في افتتاح مؤتمر الحزب الحاكم مؤخرا. وذاك حساب البورجوازية العميلة الذي ينسجم مع طبيعتها الطبقية واختياراتها الاقتصادية المتوحشة والتابعة في صبغتها النيولبرالية الجديدة المحكومة باستشراء الفساد المالي والانحطاط القيمي لرموزها. إلا أن الحصيلة على أرض الواقع قد تكون مغايرة وفي بعض الأحيان حتى مناقضة ومدمرة. إن المؤشرات الأولى لبداية فشل مخطط السلطة وحملته المسعورة ضد أهالي الحوض المنجمي يمكن حوصلتها في ما يلي:

* مثلما هو معروف تركزت حملة القمع الأسود على أهالي بلدة الرديف، فزيادة على إطلاق الرصاص على العزل المعتصمين والمتجمعين مما خلف سقوط شهيد وعشرات الجرحى يوم 6 جوان تلته حملة اعتقالات واسعة طالت المئات من الشبان وعشرات المناضلين النقابيين والنشطاء حتى أننا لا نكاد نجد أسرة لم يشملها الضرر والترويع. وبعد أيام قليلة من تأثير الصدمة الأولى عاود الأهالي التقاط أنفاسهم وأضحى مطلب إخلاء سبيل المساجين المطلب الأول في كلام الجميع. ولم نصل يوم 27 جويلية حتى وجد التذمر الواسع ترجمته الملموسة في عمل نضالي عموده الفقري النسوة اللاتي خرجن في مسيرة جابت أهم شوارع المدينة غير آبهة بوجود البوليس المكثف وهراواته.

* عاودت الاحتجاجات الظهور بمدينة المظيلة (بعد انقطاع دام أشهر) في منتصف شهر أوت إذ خرج المئات من شبان برج العكارمة المدعومين بأهاليهم للطرقات والشوارع مطالبين من جديد بالشغل ومنددين بسياسة المماطلة والتسويف.

* في كل يوم خميس وعلى امتداد هذه الصائفة، شهدت ساحة المحكمة الابتدائية بقفصة والشوارع الرئيسية المؤدية إليها تجمعات ومشادات مع أعوان البوليس السياسي لفرض علنية الجلسات ونصرة المعتقلين.

* تواصل الحراك النقابي بجهة قفصة طوال هذه الصائفة وتعدد المبادرات لنصرة المعتقلين والملاحقين من ذلك تجمع يوم 17 أوت ببهو الاتحاد الجهوي للشغل رغم معارضة كاتبه العام وعصابته الفاسدة.

* اتساع رقعة المساندة في المجال النقابي على المستوى الوطني: العريضة الوطنية، بيانات الثانوي والأساسي والمعادن.

* تزايد التذمر من الأوضاع الاقتصادية والمناخية القائمة. وهو تذمر لم يعد أصحابه حتى من الفئات الشعبية يجدون حرجا في التعبير عنه بصفة صريحة وعلنية دون اكتراث بوجد "القــــوادة" وعناصر البوليس. والملفت للانتباه هو تحـول هذا التذمر إلى يأس من نظام الحكم ورأسه خصوصا بعد الإجراءات الرئاسية المعلنة على إثر الجلسة الممتازة للمجلس الجهوي لولاية قفصة وتفويت موعد 25 جويلية دون المبادرة بإخلاء سبيل الموقوفين وإيقاف التتبع ضد الملاحقين.

ما أوردناه ليس إلا القليل من علامات أكيدة تؤشر لاستمرار روح المقاومة وتناميها على قاعدة توسع القمع واشتداده وانتشار الفقر والحرمان على نطاق أعم. ومع استمرار أزمة الجفاف وتنصل الدولة من تحمل مسؤولياتها تجاه الفلاحين الفقراء وحتى المتوسطين بهذه الجهة لا نستبعد بالمرة دخولهم الحراك الاجتماعي بمطالبهم الخصوصية المتمثلة في توفير أعلاف الماشية وتخفيض أسعارها مع المساعدة في حفر الآبار وإيجاد مواطن الرزق... إن مثل هذا التطور ليس افتراضا ذهنيا بعيدا عن الواقع بل هو من صميمه. ففي السنة الفارطة وحتى قبل انطلاق انتفاضة الحوض المنجمي عرفت الجهة احتجاجات عديدة بمناطق مختلفة (سيدي بوبكر، زانوش، بلخير...). كما أن الأشهر الأولى من السنة الحالية وفي خضم احتجاجات الحوض المنجمي أقدم صغار الفلاحين مرات عديدة على إقامة تجمعات تم تفريقها بالقوة أمام مقر ولاية قفصة.

وبصفة عامة فإن عوامل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مضافا إليها اشتداد القبضة البوليسية التي نزلت ولا زالت على أهالي الحوض المنجمي ومسّت شظاياها مجمل الجهة وخصوصا مدينة قفصة. هذه العوامل وغيرها كثيرٌ (جفاف، فساد مالي...) تمثل حوافز قوية لانفجار الأوضاع مجددا وفي رقعة جغرافية من المحتمل أن تعم الجهة برمتها الأمر الذي سيفاقم إلى حدود كبيرة مصاعب نظام الحكم ويخلق شروطا أفضل لاتساع رقعة الحراك الاجتماعي في مناطق الفقر المجاورة والبلاد عموما.

ومهما كانت اتجاهات تطور الأوضاع في الأسابيع والأشهر القادمة فإننا نرى ضرورة تضافر جهود كل مكونات الحركة الديمقراطية من أجل تفعيل مناصرة الحوض المنجمي ورد الهجوم الفاشستي الكاسح الذي طال ولازال الأهالي. ولعل الحلقة الأساسية اليوم التي ينبغي الإمساك بها تتمثل في تحقيق الإفراج الفوري عن كل المعتقلين وإنهاء التتبع ضد الملاحقين وحفظ القضايا المتعلقة ضدهم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني