الصفحة الأساسية > البديل الوطني > "الطبّ البديل"... بين العلم والخرافة
"الطبّ البديل"... بين العلم والخرافة
30 أيلول (سبتمبر) 2010

يعتبر قطاع الصحة العمومية من بين القطاعات الحيوية ببلادنا التي تعاني من كمّ هائل من المشاكل مثل انعدام النظام أثناء تقديم الخدمة للمواطن وقلة الإطار الطبي وسياسة التقشف وضعف التمويل الذي ينجر عنه قلة وتخلف المعدات الطبية والأدوية. وتزداد هذه المشاكل تفاقما وفظاعة كلما توغلنا في الجهات وابتعدنا عن العاصمة والمدن الكبرى لذلك نجد أن أغلب المواطنين خاصة من الفئات الشعبية الفقيرة يلجؤون إلى أساليب علاجية أخرى أو ما يعرف بـ"الطب البديل" يرونها أكثر نجاعة وأقل تكلفة.

يجمع "الطب البديل" بين ما يسمى بـ"الطب النبوي" الذي يقوم على جملة من الأذكار والطقوس مستمدة من القرآن والسنة، تحمي من "العين" و"السحر والشيطان والجن"، وبين طب الأعشاب الذي يرتكز على استغلال الخصائص العلاجية للأعشاب والنباتات لاستعمالها كأدوية مع الحفاظ على حالتها الطبيعية أي دون تدخل صناعي. ويعتبر هذا الأخير علما قائم الذات.

الظاهر هو أن هذا الطب البديل قائم على نصف علمي "متعلق بالأعشاب الطبية" وآخر غير علمي "الطب النبوي"، فهو لا يخضع لأي مقوم من مقومات منهجية البحث العلمي في إثبات أو نقض أطروحة ما لأنه بكل بساطة يعتمد على أحاديث وآيات قرآنية لا تقبل الخضوع للتجربة أو حتى مجرد الشك في نجاعتها على مستوى نظري نظرا لقداستها. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، إذا كان المرضى يعانون من مرض عضوي أي له علاقة بخلل فيزيولوجي، فكيف لآية قرآنية (فكرة) أن تؤثر في جهاز أو عضو (مادة) بالشكل الذي يجعلها تعالج سبب المرض لتختفي الأعراض تباعا لذلك... أما بالنسبة للأعشاب التي يستخدمها الطب النبوي فهي لا تتجاوز تلك الأسماء التي وردت في القرآن والسنة (الحبة السوداء أو التمر وزيت الزيتون وماء زمزم...) ويقع استثناء الأعشاب الصينية والهندية وغيرها لأنها لم تذكر في القرآن والسنة؟! إضافة إلى أنها لا تستعمل بطريقة علمية وفقا لتصنيف كيميائي مدروس بل توصف للمريض بطريقة اعتباطية دون أن يقع توجيهها لمرض معين لصفة علمية دقيقة تحت شعار: إذا لم تنفعك فهي في النهاية لن تضرك؟!

ورغم أنه في بعض الحالات التي التجأ فيها بعض المرضى عضويا لهذا النوع من العلاج شعروا بتحسن، لكن في الواقع هذا التحسن هو نتاج حالة نفسية تفرضها قدسية الدواء وثقة المريض في التعافي. فهذا المريض قـَبل بالعلاج بطلب منه و"عقد النية"، أي أن يكون على يقين ومسلم تسليما تامًّا بأنّ "الشيخ المتطبب" أو "الطبيب المستشيخ" الذي عالجه قادر بما "وهبه الله من قدرة" أن يشفيه؟!

إن ما يروّج للطبّ البديل على أنه يعالج الأمراض المستعصية لا أساس له من الصحة. ولكن كل ما يفعله هذا "العلاج" هو اللعب على عامل الوقت والخصائص العرضية لهذه الأمراض، فالسرطان وبوصفـّير مثلا هي أمراض ذات عوارض غير ملازمة للمريض أي أن الآلام واصفرار البشرة وغيرها من الأعراض تظهر في فترة نشاط المرضى ثم تختفي بعد مدة من الزمن يكون المرض فيها في حالة خمول. وأثناء تلك الفترة (بداية ظهور أعراض المرض) يوصـف للمريض قائمة من المستحضرات (ماء قـُرأت عليه آيات قرآنية، عسل مخلوط ببعض الأعشاب...) إلى أن تختفي الأعراض بصفة آلية دون أن يكون للعلاج أي دخل ويبقى المريض حاملا للفيروس. ومن ثمة يوهم المريض بنجاعة "الطب البديل".

إن انتشار مثل هذا الأسلوب العلاجي يعود إلى عدة أسباب منها ما يتعلق بسياسة الدولة وبخياراتها الاقتصادية المتجهة نحو خوصصة قطاع الصحة دون اعتبار مصلحة المواطن الذي يتحمل وحده تبعات الخيارات اللامسؤولة للدولة وارتفاع تكلفة العلاج وغياب مؤسسة تغطية اجتماعية جادة وناجعة كي يجد نفسه أمام خيارين: خدمة صحية راقية بالمصحات الخاصة موجهة لأصحاب المال وأخرى رديئة موجهة للفئات المفقرة التي تمثل السواد الأعظم من الشعب. ويجد المواطن نفسه أمام حقيقة صارخة: لا حق لك في العلاج، صلي لربك عساه يشفيك؟! ومنها ما يتعلق بمستوى وعي المواطن الذي سيطرت على تفكيره الأفكار الدينية المتطرفة وأصبح يقحمها في كل تفاصيل حياته خاصة مع دمغجة وسائل الإعلام التونسية والقنوات السّلفية في ظل غياب ثقافة فكرية وصحية علمية توجه تفكيره وتعيد الاعتبار للعلم، الذي لا يستفيد منه سوى صاحب المال والنفوذ، كحل وحيد وتهدم بقايا الشعوذة والدجل الذي يعود بمستوى الوعي إلى القرون الوسطى كي يثق في خرافة ويشكك في علم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني