الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الفلاحة في "تونس الخضراء"... من يزرع الشّوك يجني الجراح!
الفلاحة في "تونس الخضراء"... من يزرع الشّوك يجني الجراح!
14 حزيران (يونيو) 2009

الحديث عن مشاكل الفلاحة في "تونس الخضراء" لا ينتهي. ففي كل سنة تطفو مشكلة... مشكلة البصل ثم الحليب ثم البطاطا ثم العلف والغلال، فالحليب من جديد... وهذه السنة جاء دور الطماطم،.إلخ.

لكن الأخطر من كل هذا هو النقص المسجل في كميات الحبوب والعلف بما يهدد "الأمن الغذائي". وهذا راجع إلى تقلّص المساحات المخصّصة للزراعات الكبرى من قمح وشعير وفارينة وقرط وعلف... فهذه المساحة لا تتجاوز 12 بالمائة فقط من جملة المساحة المخصصة للزراعة. وهو ما أدّى إلى نقص في المنتوج وبالتالي ارتفاع الأسعار، حيث بلغ سعر القنطار الواحد من القمح أكثر من 60 دينار بالنسبة للقمح و50 دينارا بالنسبة للشعير. ورغم أن كميات الأمطار المسجلة هذه السنة تبشر بإنتاج وفير إلا أن الأرقام تكذب ذلك باعتبار أن هذه الأمطار جاءت متأخرة مسجلة نقصا في فترة الخريف.

وبالتحاور مع بعض الفلاحين يمكن رصد أسباب التراجع كالآتي:

1 – بالنسبة للمساحات الصغيرة فإن الفلاح يتجنب الزراعات الكبرى ويحبذ زراعة الخضر لأن مدخولها أفضل. ولا يزرع الحبوب إلا لإراحة الأرض وتوفير مؤونته الخاصة.

2 – مصاريف تهيئة الأرض وتكاليف الزراعة ارتفعت بشكل ملحوظ.

3 – زراعة الحبوب "تجمّد" الأرض لمدة موسم كامل في حين يمكن زراعة بعض المواد الأخرى أكثر من مرة في الموسم.

إن أغلب الفلاحين الفقراء لا يتجاوز معدل دخلهم اليومي الأربعة أو الخمسة دنانير، وهو دخل غير مضمون ومرتبط بالأحوال الجوية وبتقلبات السوق.

أما بالنسبة لتربية الماشية فإنها مرتبطة أساسا بأسعار العلف وتوفـر المراعي. وقد تأثر هذا القطاع تأثرا واضحا بغلاء أسعار العلف التي عرفت ارتفاعا مشطا وصل إلى 200 بالمائة. وقد أدّى هذا الارتفاع إلى تدني أسعار المواشي لأن الفلاحين يريدون التخلص من قطعانهم بعد عجزهم عن توفير العلف لها. لكن الأسعار سرعان ما عادت إلى الارتفاع من جديد بعد نقص المنتوج وتزايد الطلب الخارجي على المنتوج التونسي خاصة من الدول المجاورة (الجزائر...). ومن البديهي أن يؤدي هذا الوضع إلى ارتفاع أسعار اللحوم. وممّا زاد الطين بلّة تفاقم سرقة المواشي بشكل لم يسبق له مثيل، الشيء الذي جعل الفلاح يفكر في التخلص من مواشيه قبل أن تتمّ سرقتها أو تشديد الحراسة وهو ما يتطلب مصاريف إضافية.

ويمكن أن نسمع كلاما كبيرا حول الفلاحة في تونس وضرورة النهوض بها باعتبارها قطاعا استراتيجيا وحيويا، كما يمكن أن نقرأ المقالات المطولة التي تحاول عدم تحميل مسؤولية تردي الأوضاع الفلاحية إلى المتسببين الحقيقيين فيها وإلصاقها بالأوضاع العالمية الصعبة، يمكن أن نسمع ونقرأ ونشاهد مثل هذه التحليلات، لكن الفلاح الفقير المرتبط بالأرض يلخص الأزمة في كلمتين: "الفلاحة ما عادش فيها، التعب ياسر والمسوار شويّه". وهو ما يعكس الحالة التي وصلت إليها فلاحتنا في ظل السمسرة والنهب والثراء الفاحش على حساب قوت الشعب. ولن يستقيم حال الفلاحة وحال البلاد بصفة عامة والاقتصاد التونسي موجه لخدمة أقلية فاسدة لا همّ لها سوى تكديس الثروات واستغلال الكادحين.

ولا يجد الفلاح الغلبان من حلّ سوى ترك الفلاحة ومشاكلها والبحث عن "خبزته" في مجال آخر. ونتيجة لذلك يفاجأ المواطن باختفاء هذه السلعة أو تلك من السوق وبارتفاع أسعارها، ويتساءل عن السبب خاصة وأن هذه المنتوجات تعتبر من خصوصيات البلاد التونسية وكان من المفروض أن يكون هناك فائض في الإنتاج يقع تصديره.

وسنة بعد أخرى تتفاقم مشاكل الفلاحة وتحتدّ. والأكيد أنها ستصل إلى الحد الذي لم يعد بالإمكان السكوت عنه، فالمسألة تتعلـّق بالغذاء والجوع، والشعب إذا جاع لن يسكت... ومن يزرع الشوك يجني الجراح!



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني