الصفحة الأساسية > البديل الوطني > قراءة في التّقرير السّنوي للنّقابة الوطنيّة للصّحافيّين التّونسيّين
قراءة في التّقرير السّنوي للنّقابة الوطنيّة للصّحافيّين التّونسيّين
14 حزيران (يونيو) 2009

أصدرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين تقريرها لسنة 2009 حول واقع الصحافة في تونس بعنوان "التقرير السنوي للحريات الصحفية، 3 ماي 2009". وقد شمل هذا التقرير في أكثر من 30 صفحة من الحجم الكبير وتضمّن عدة أبواب تتعلّق بالمناخ السياسي العام والإطار التشريعي والاتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة وواقع مهنة الصحافة (الحق في الوصول إلى المعلومة وحماية الصحفيين) وغيرها من جوانب الوضع المادي والمهني للصحافيين. وعدّد التقرير جملة الانتهاكات المسجلة في مجال الصحافة المكتوبة بمختلف مؤسساتها وفي مجال الإشهار وفي القطاع السمعي البصري العمومي والخاص وفي مجال الإعلام الجهوي والصحافة الإلكترونية. وأفرد التقرير فقرة أخيرة جاءت كعرض موجز لنشاط النقابة الوطنية للصحفيين والعوائق التي اعترضتها طيلة عام من العمل.

وقد عقدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ندوة صحفية يوم 4 ماي عرضت فيها مضمون تقريرها وأعلنت موقفها من خصائص الوضع الذي تعمل فيه. وقد شهد هذا الاجتماع حوادث عرضتها وسائل الإعلام الأجنبية تعمّد خلالها بعض "المبعوثين" و"المكلفين بمهمّة" إفساد الاجتماع ومنع رئيس النقابة من عرض التقرير المذكور.

وفي ما يلي أهم ما جاء في هذا التقرير:

بعد المقدمة التي أكدت فيها النقابة أن ما أوردته في تقريرها من "تركيز على السلبيات والهنات والنقائص ينطلق من رغبة تلافيها وتجاوزها بما يرتقي بإعلامنا وتطوّره... ولا ينبع من موقف عدائي..."، تعرّض التقرير بصورة موجزة ومركزة لمميّزات الواقع السياسي العام بالبلاد حيث ذكّر بأهمّ الأحداث السياسية (مؤتمرات الأحزاب) والإعلامية (صدور بعض الصحف وانطلاق بث تلفزات وإذاعات ومنع واحتجاب البعض الآخر) كما ذكّر ببعض النضالات الاجتماعية (الحوض المنجمي وأعوان مؤسسة الإذاعة والتلفزة) والدّيمقراطية (أزمة الرابطة والاتحاد العام لطلبة تونس) والقومية والعالمية (الحرب على غزة).

وفي باب "الإطار التشريعي" عبّرت النقابة الوطنية عن موقفها الصريح من ما تتميّز به مجلة الصحافة من طابع زجري ومخالف للحرية وقدّمت جدولا حول الجرائد والدوريات والإذاعات وقنوات التلفزة التي قدّم أصحابها مطالب رخص ولم تقع بعد الاستجابة لها (4 دوريات وجريدتان و6 إذاعات).

كما أكدت النقابة في تقريرها تمسّكها بأحقيتها في النيابة عن الصحفيين التونسيين في المفاوضات الاجتماعية "مندّدة بإقصائها من هذه المفاوضات على الرغم من قيامها بكل الإجراءات القانونية الضرورية" ومذكّرة بخلاصة توصيات الملتقى الدولي الذي نظمته يومي 13 و14 مارس الفائت بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين بخصوص بث قانون موحد للصحافيين التونسيين.

أمّا في ما يتعلق بأوضاع أداء مهنة الصحافة فقد أفرد التقرير مسألة "الحق في الوصول إلى المعلومة" و"حماية الصحفيين" بفقرتين أبرز فيها الصعوبات التي يلاقيها أصحاب المهنة في الوصول إلى المعلومة جرّاء التعتيم والمضايقات والضغوط في غياب تشريعات تضمن حق الصحفي في الوصول إلى المعلومة. كما بيّن التقرير تخلف الأحكام القانونية الحالية (الفصل 406 من مجلة الشغل) المتعلقة بحماية الصحفي. هذه الأحكام التي على تخلفها مقارنة ببلدان عربية وغير عربية لا يقع احترامها وتطبيقها.

ورصد التقرير في باب "الوضع المادي والمهني" التجاوزات والانتهاكات المادية والمهنية للصحفيين في عديد المؤسسات "التي أثرت سلبا في المنتوج الإعلامي وجودته". فالصحفيون يعملون على العموم في ظروف عمل سيئة (عدم استقرار، أجور متدنية وغير ثابتة...).

ومن ناحية أخرى قدّم التقرير جدولا مفصلا حول الانتهاكات والاعتداءات التي تعرّض لها الصحافيون (22 حالة) من مختلف المؤسسات الإعلامية ووصلت هذه الانتهاكات حدّ الاعتداء بالعنف المادي وطالت النساء والرجال وحتى بعض أعضاء النقابة الوطنية.

كما عدّد التقرير في باب "أخلاقيات المهنة" الحالات التي تمّ فيها اعتداء على أخلاقيات المهنة وخرق ميثاق الشرف. كما خصّص قسما كبيرا للصحافة المكتوبة استعرض فيه أوضاع المهنة والصحافيين في دور "لابراس" و"الصباح" و"الأنوار" و"الصريح" و"وكالة تونس إفريقيا للأنباء" وفي الصحف الأسبوعية وصحافة الأحزاب مبرزا الانتهاكات والتجاوزات المسجلة والقضايا التي عرفتها بعض هذه الصحف (الموقف، مواطنون..).

وجاءت الأقسام الأخيرة مخصّصة لقطاعات السمعي البصري العمومي والخاص والصحافة الإلكترونية. واعتبر التقرير أن قرار فصل مؤسستي الإذاعة والتلفزة كان غير مدروس ولم يشرّك عند اتخاذه الأطراف المعنية زيادة على إصدار قوانين خاصة بكل منهما ولم تأخذ في الاعتبار النقابة الوطنية التي تمّ إقصاؤها. وبطبيعة الحال فإن مثل هذه القرارات أدخلت "فوضى وإرباك" للمؤسستين علاوة على استمرار تقاليد المحاباة وتحقير الكفاءة والحرفية ومواصلة المؤسسات الإعلامية على نهجها في المادة الإعلامية والثقافية الخاضعة للرقابة والتوجيه.

أما بالنسبة للصحافة الإلكترونية التي وجد فيها المواطن ضالته "ليشفي تعطشه وبحثه المتواصل عن الخبر" فقد اختلط فيها "الصحيح بالزائف والمعلومة بالإشاعة". ولكن الحراك الذي شهده الإعلام الإلكتروني (مواقع، حركة تدوين، إلخ.) عرف هو الآخر عراقيل "الحجب والقرصنة وعديد التضييقات".

الفصل الأخير من التقرير خُصّص لأوضاع النقابة الوطنية للصحافيين إذ تمّت الإشارة إلى انسداد أبواب الجهات الرسمية وغير الرسمية في وجهها وعدم التعاطي مع الملفات التي طرحتها بجدية ورفض الكثير من الأطراف الاعتراف بها كممثل للصحافيين في القضايا المادية والمهنية التي تهمّهم خاصّة أثناء دورة المفاوضات الاجتماعية العامة. وجاء في التقرير "لعلّ المسألة المثيرة للانتباه تعمّد جل المؤسسات الإعلامية عدم تغطية أنشطة النقابة وجلساتها العامة والإعلام بمواقفها في حين تفتح الأبواب واسعة أمام كل من يحاول الإساءة لصورتها والنيل من مصداقيتها".

لقد جاء هذا التقرير شاملا (حتى وإن لم يتوقف عند كل الانتهاكات: الفاهم بوكدّوس...) وموضوعيا وجريئا، وهذا ما يفسّر الحملة الشرسة التي شنت ضد النقابة والتي تقودها السلطة عن طريق بعض عملائها في قطاع الصحافة. ومازالت هذه الحملة متواصلة خاصة بعد استقالة ثلاثة أعضاء معروفين بولائهم للحزب الحاكم من مكتبها التنفيذي وترويج عريض مشبوهة ضد المكتب الوطني في خطوة تذكرنا بمسلسلات السطو على المنظمات المستقلة وتفكيكها بتوظيف القضاء والجهاز البوليسي (جمعية القضاة، رابطة حقوق الإنسان...).



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني