الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مراقبة الأنترنيت جزء من وضع الصّحافة في بلادنا
مراقبة الأنترنيت جزء من وضع الصّحافة في بلادنا
14 حزيران (يونيو) 2009

تكثف بشكل لافت في المدّة الأخيرة عمل أجهزة مراقبة الأنترنيت، وتركز مؤخرا على مراقبة المحلات العمومية للأنترنيت (البوبلي نات) حيث أعطيت التعليمات إلى أصحاب هذه المحلات بمطالبة الحرفاء بالاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية قبل الشروع في استعمال الخدمة. وينضاف هذا التضييق الجديد إلى قائمة التضييقات الأخرى التي أصبحت مألوفة لدى عموم مستعملي الأنترنيت في بلادنا مثل مراقبة مواقع الأحزاب والجمعيات، والبريد الإلكتروني الشخصي... وقد أصبح "بوليس الأنترنيت" يتفنن في إبداع طرق مستجدة وخبيثة لمراقبة بريد الأفراد والتدخل لإفساده. وقد لاحظ العديد في الأيام الفارطة أن الشخص قد يقضي وقتا طويلا دون التمكن من الولوج إلى بريده الخاص (وهو أسلوب قديم)، وإن تمكن من ذلك فإنه لا يستطيع قراءة رسائله. فإذا كان الشكل الكلاسيكي لعمل أجهزة البوليس هو أن "تطير" الرسائل غير المرغوب فيها بمجرد محاولة قراءتها ليجد مكانها رسائل أخرى كثيرا ما تكون شتما وبلادة، فإن الشكل المستجد هو أن لا يستطيع الواحد الدخول إلى رسائله ولا الولوج إلى "الفايس بوك" بأيّ وسيلة كانت. ويتضرّر من هذا الأسلوب العديد من النشطاء فضلا عن المنظمات والجمعيات. يأتي هذا "الإبداع" في عمل أجهزة الرّقابة في الوقت الذي صدرت فيه العديد من التقارير الدولية بمناسبة 3 ماي، اليوم العالمي لحرية الصحافة والتي أجمعت على رداءة أوضاع الحريات الصحفية في بلادنا التي حازت أسوأ المراتب في هذا المجال ضمن "كوكبة" الأنظمة الشمولية "الخارجة عن التاريخ" مثل السعودية والصين وبرمانيا وسوريا وإيران... وكذلك في الوقت الذي صدر فيه تقرير لنقابة الصحفيين لامس هذه المظاهر ووقف عليها وهو ما رفضته زمرة "القوّادين" من المرتزقة الذين يشنون حملة شعواء ضد النقابة من أجل شل نشاطها والاستيلاء عليها.

كما يأتي هذا "التطور اللافت" أشهرا قليلة قبل "الاستحقاق الانتخابي" الذي لم يعد يتحدث عنه في بلادنا سوى الواهمون الذين مازالوا يعتقدون في كون هذا الاستحقاق يفترض "إجرءات انفتاحية، انفراجية.." وهو ما لا ينطبق على بلادنا. قد يستقيم ذلك على دكتاتوريات أخرى في إفريقيا وآسيا إذ تضطر، حتى "تسوّق" مواعيدها الانتخابية، إلى بعض الإجراءات، وقد يفرضها كذلك تدخل الشارع والحركة السياسية. لكن في تونس العكس تماما هو ما يحدث خاصة في ظل خمول الشارع كنتاج للطمع وكذلك في ظل خمول الأحزاب الديمقراطية التي تشارك في هذه المواعيد، فهي خالية الذهن من هاجس فرض تنازلات على الحكم تشمل الإعلام والتعبير... فهاجسها لا يتعدّى تكوين القوائم بأيّ شكل وفي أيّ ظروف كانت، ونصب العين على الـ25 بالمائة من الكعكة التي ستوزّع على "المعارضة".

إن مراقبة الأنترنيت (في عصر الطفرة التكلنولوجيّة) هو جزء من وضع الإعلام في بلادنا، وتشديد الرقابة عليه مفهوم لتضاعف أعداد اللاجئين إليه أفرادا وجمعيات وهو أهم وسيلة للتواصل مع كل العالم، وهو ما يزعج السلطة ويجعلها تتدخل "للتحكم" في هذا الجهاز الفالت وتتحوّل اللعبة بين المستعمل والرقيب إلى لعبة قط وفأر ينتصر أحدهما في كل مرة. إنها أحد واجهات الصراع بين المجتمع وكاتمي أنفاسه. لذلك لا بدّ من تنظيم معركة الفضح والتشهير. إن السلطة وبعد أن أغلقت العديد من محلات الأنترنيت وهي تحاصر بشكل كامل ما تبقى منها، تجد صعوبة في "المحاصرة الفردية". فما عسّر عليها مهامها هو امتلاك عديد الأفراد لأجهزة حواسيب وخطوط أنترنيت شخصية، وابتكار طرق جديدة لمواجهة الرقابة والمنع وخلع الأبواب الموصدة باستعمال تقنيات حديثة ما فتئت تتطور وتلقى رواجها بين عشاق الأنترنيت وخاصة الشباب منهم.

إن النظام المتخلف الجاثم على صدورنا لا يتوانى عن أي شيء يمكن أن يؤخر يقظة الشعب التونسي وهبّته للنضال والدفاع عن حقوقه، ولا خيار أمام الأحرار إلا أن يضاعفوا مجهوداتهم من أجل محاصرته وفضحه والتصدي له وخوض معركة الأنترنيت بجميع الأسلحة الممكنة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني