الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الكلّ ضدّ «النهضة» أو الكلّ ضدّ «بقايا الدّكتاتوريّة»
أيّ تحالف يمكن أن يقبل به حزب العمال؟ (3/3):
الكلّ ضدّ «النهضة» أو الكلّ ضدّ «بقايا الدّكتاتوريّة»
11 آب (أغسطس) 2011

إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس وما سبّبته من فقر وبطالة وتفاوت في توزيع الثروة وفي توزيع الاستثمارات بين الجهات ليست وليدة الديكتاتورية والفساد فقط وإنما هي وليدة النمط الرأسمالي للملكية والإنتاج وتوزيع الثروة. وهذه الأزمة هي جزء من أزمة الرأسمالية العالمية. ولا نذيع سرا إذا ما قلنا أن الاقتصاد التونسي مكبّل بإملاءات المؤسسات الرأسمالية العالمية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة واتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

صوت الشعب - العدد 11 الخميس 11 أوت 2011

إن أيّ حزب أو تحالف سياسي يصل إلى السلطة لن يكون في مقدوره الاستجابة إلى المطالب الشعبية في تحقيق العدالة ومقاومة الفقر والبطالة وجملة الآفات الاجتماعية الناتجة عن الأزمة الرأسمالية الليبرالية التي يعاني منها المجتمع إذا لم يضع في صدارة برنامجه الإصلاحي التصدي لإملاءات المؤسسات الرأسمالية العالمية. ولا نخال الأحزاب الديمقراطية والإسلامية قادرة على أن تنتهج سياسات معادية لمصالح البرجوازية المحلية التي ستتمسك بهذه الإملاءات والتي ستدافع عن ارتباطاتها بالرأسمال الأجنبي وما توفره لها من ثروات وأرباح دفاعها عن مقلتي عينيها.

إن الأرضية التي يمكن لحزب العمال أن يقيم على أساسها تحالفاته الانتخابية وغير الانتخابية هي تلك التي تطرح في جدول أعمالها مناهضة التبعية الاقتصادية ومواجهة سياسات النهب الإمبريالية. ذلك هو الشرط الثالث لبناء جبهة ثورية تختزل جملة المطالب والطموحات الشعبية.

ولكن نضال الشعب التونسي من أجل الحريات والعدالة الاجتماعية ومقاومة الهيمنة الإمبريالية لا يخرج عن النطاق العام لنضال باقي الشعوب العربية. فحزب العمال لا يحصر نضال شعبنا في ما هو محلي ولا يستهين بطموحاته القومية بل هو يسعى إلى الارتقاء بهذا النضال وبهذه الطموحات حتى نهايتها الإستراتيجية المتمثلة في الوحدة العربية. وهذه الوحدة من الممكن تحقيقها إذا ما تمكنت الثورات العربية من فرض أنظمة ديمقراطية تستجيب حتما لإرادة شعوبها وتدافع فعلا عن مصالحها. وإذا ما نجحت الديمقراطيات العربية القادمة في تمكين شعوبها من حق تقرير مصيرها فلن يكون هذا المصير غير الوحدة القومية بل إنّ إنجاز هذه الوحدة سيكون مقياس ومكيال لمدى نجاح وتعمق هذه الديمقراطيات. وهل للشعوب العربية من اختيار غير الوحدة إذا ما فازت بحق الاختيار وبحق تقرير المصير؟!

إن مثلث البرنامج الوطني والقومي المعادي للإمبريالية وبرنامج الحريات السياسية وبرنامج الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية يتلخص في شعار «الديمقراطية الشعبية» . ولِهذا الثالوث سنُخضع كل تكتيكاتنا وكل تحالفاتنا وكل نضالنا الجبهوي. وليس السعي إلى بناء الجبهة الشعبية بما يعنيه من توحيد للقوى السياسية الممثلة للشغيلة وللفئات الكادحة في مواجهة الاستبداد والاستغلال الرأسمالي ومقاومة التبعية اختيار من اختيارات حزب العمال بل هو فريضة ولا غيرها فريضة.

من الناحية العملية على القوى اليسارية الراديكالية والقوى القومية الوطنية أن تسعى إلى بناء جبهة شعبية وأن تحافظ بتحالفها هذا عن استقلاليتها السياسية عن القوى والأحزاب الديمقراطية اللبرالية كما عن القوى والأحزاب الإسلامية. وعلى هذه القوى أن تتفادى أحبولة الدعوة إلى جبهة ديمقراطية ليبرالية بدعوى تجميع أكثر ما يمكن من القوى الديمقراطية ضد الإسلاميين. صحيح أن هذه الدعوة تستهوي الكثيرين لكن قبولنا بالدخول في تحالف مع القوى الديمقراطية اللبرالية سيؤدي إلى تخلينا عن برنامج الديمقراطية الاجتماعية وعن البرنامج الوطني والقومي المعادي للإمبريالية وسيحصر نضالنا في برنامج الحريات السياسية فحسب ممّا يعني التخلي عن المطالب الاجتماعية للفئات الشعبية والتذيّل لمصالح البرجوازية والسقوط في مناورات الدوائر الإمبريالية التي تحاول دفع اليسار إلى خوض حرب ضروس مع الإسلاميين على قاعدة طائفية عقائدية بينما تسعى هي إلى عقد صفقات معلنة وغير معلنة مع تيارات الإسلام السياسي. إن الوضع الراهن لا يستجيب لشعار «الكل ضد الإسلاميين» طالما حركة النهضة متمسكة بخطاب وبمسلك الديمقراطية. وشعار المرحلة لا يزال «الكل ضد بقايا الديكتاتورية» مع تمسّكنا باستقلالية توجهنا الديمقراطي والشعبي.

وهذا الشعار، الذي على ضوئه نُقيّم ديمقراطية كل طرف، أخلت به القوى الديمقراطية اللبرالية منذ اللحظات الأولى للثورة بانخراطها في حكومة الغنوشي وركوعها لحكومة الباجي قائد السبسي ومناوراتها السياسية. إن دعوة هؤلاء إلى إقامة جبهة ضد «حركة النهضة» دعوة مغشوشة فمن كان ديدنه الحرص على الديمقراطية والاستماتة في الدفاع عنها كان عليه بالأحرى الانخراط في جبهة واسعة ضد الديكتاتورية وضد حكومات الالتفاف على الثورة وكان عليه فيما بعد ترك «حركة النهضة» في مأزق قبولها بحكومة الباجي قائد السبسي أو دفعها إلى البقاء في المسار الثوري العام.

نحن نعتقد أن جبهة 14 جانفي لازالت الإطار الأنسب لاحتضان الجبهة الشعبية رغم تذبذب بعض مكوناتها لذلك يجب تسليحها ببرنامج سياسي يستجيب لطموحات الفئات التي أشعلت فتيل الثورة وكانت وقودها ومازالت ضحية الخيارات الاقتصادية لنظام الاستبداد والتي مازالت خارج دائرة القرار السياسي والاقتصادي.

سمير حمّودة


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني