الصفحة الأساسية > البديل الوطني > «مصارنكم بين يديّ»!
البشير التكاري للقضاة:
«مصارنكم بين يديّ»!
11 آب (أغسطس) 2011

تبنـّت عديد الأطراف والشخصيات بعيد 14 جانفي شعار «الحفاظ على مكتسبات الثورة ومحاسبة رموز الفساد».. ولئن كانت مهمة الحساب والعقاب موكلة بعهدة القضاء، فإن مسؤوليته تضاعفت ليصبح مطالبا بتطهير القطاع من أجل فرض استقلاليته في اتجاه معاقبة المتجاوزين ورد الاعتبار للمظلومين.

إلا أن الفرق واضح بين هذا الطموح وبين ما أفرزه الواقع، إذ تمّ الإفراج عن عديد الرموز التي لها علاقة وطيدة بنظام الديكتاتور الفار مثلما وقع غض الطرف عن أسماء عديدة أخرى. وفي الآن ذاته تواصلت عملية مضايقة المناضلين السياسيين والحقوقيين..

لرصد الموقف القانوني من عمليات سراح أولئك الموقوفين، اتصلت «صوت الشعب» بأهل الاختصاص.

«الإجراء قانوني.. لكن مشكوك فيه»

منذر الشارني

أكد الأستاذ منذر الشارني المحامي أن «رموز الفساد» ممن لم تتوفر ضدهم ملفات تثبت تورطهم يجب أن يعاملوا تماما مثل المواطنين العاديين من الناحية القانونية. أي أنه يجب إدانة من يستحق الإدانة وتبرئة من يستحق ذلك أيضا تبعا للملفات المتوفرة على ذمة القضية. كما شدّد على ضرورة معالجة ملفات الفساد كل على حدة لأنها تتفرع إلى قضايا اقتصادية وأخرى سياسية..

نفس الموقف اتـّخذته القاضية كلثوم كنـّو ـ عضو جمعية القضاة ـ إذ تقول إن «قرار الإفراج عن بشير التكاري قانوني من الناحية الإجرائية لكن عديد الشكوك تحوم حوله، إذ أن خروجه يؤكد أن بحوزته ملفات عديدة للقضاة المورطين في الفساد والتي هدد بالإفصاح عن أسمائهم لو بقي في السجن».

وعبرت الأستاذة كنو عن استغرابها الشديد من إطلاق سراح التكاري معتبرة أن ذلك يعود إلى سيناريو حبك ببراعة.. فقد قدّم التكاري مطلب إفراج لدى قاضي التحقيق، إلا أن الأجل الأقصى المحدد للبت في المطلب (4 أيام) انتهى دون أن يتم ذلك. وكأن القضاء عجز لحظتها عن اتخاذ القرار وكانت الجرأة تنقصه!! فاستأنف محامي «المتهم» أمام دائرة الاتهام وقد بت في المطلب القاضي نفسه الذي كانت قضايا الإرهاب في السابق تحال إليه.. ولفاهم أن يفهم من قد يكون!

كلثوم كنو

وأشارت القاضية إلى أن الإفراج عن بشير التكاري وعدم الإفراج عن الطرابلسية يؤكد الجملة التي قالها وزير العدل السّابق: «مصارنهم في يديّا» (يقصد القضاة) خاصة أنها عند اتصالها مؤخرا بالتفقدية العامة للقضاة، أكدت هذه الأخيرة أنها لا تملك أي ملف فساد يدين القضاة التونسيين. وهذا ما يثبت أن هذه الملفات لم تسلـّم إلى التفقدية وإنـّما بقيت بحوزة بشير التكاري لتهديد القضاة والتنصل من المحاسبة.

ويعتبر منذر الشارني أن الاحتجاجات التي رافقت الإفراج عن عدد من المسؤولين السابقين الموقوفين تؤكد عدم ثقة الجمهور في العدالة، ويدعو من هذا المنطلق ـ من موقعه كرئيس للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب ـ إلى تكوين دوائر قضائية مستقلة مختصة يطمئن إليها الرأي العام (متكونة من قضاة أكفاء ونزهاء ولهم معرفة عميقة بالقوانين) للنظر في قضايا الفساد المالي والاقتصادي وقضايا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. وتطبق هذه الدوائر الجنائية المختصة القوانين العادية وتكون ضمن المنظومة الجزائية العادية للمحاكم.

كما دعت جمعية القضاة في بيان لها إلى فتح بحث بخصوص الإفراج عن الوزيرين بشير التكاري وعبد الرحيم الزواري وتمكين سيدة العقربي من الخروج من تونس.

وفي الرد على ما تقدم، أصدرت وزارة العدل توضيحا جاء فيه: «وجّه السيّد وزير المالية شكاية إلى النيابة العمومية بتونس بتاريخ 18 جويلية 2011 ضد السيدة العقربي طالبا تتبّعها من أجل الأفعال المنسوبة إليها طبق الفصل 99 من المجلة الجزائية، وقد وجّهت الشكاية إلى النيابة العمومية بطريقة عادية. ونظرا لاكتظاظ العمل، لم يتيسّر فتح بحث تحقيقي ضد المرأة المذكورة إلاّ يوم 3 أوت 2011 من أجل الاستيلاء والتصرّف في أموال عمومية وتدليس. غير أنّه تبيّن أنّ المعنية بالأمر قد غادرت تراب الجمهورية يوم 30 جويلية 2011 عبر مطار تونس قرطاج الدولي. وإنّ عدم اتخاذ إجراء حدودي في خصوصها في الوقت المناسب لا يمكن أن يفسّر مبدئيا بغير «الاكتظاظ في العمل». وعلى كل فإنّ وزارة العدل قد فتحت بحثا معمّقا في الموضوع لمعرفة الأسباب الحقيقة التي أدّت إلى هذا التأخير في اتّخاذ الإجراء الحدودي» . فأي نظام هذا يقعده الاكتظاظ عن القيام بواجبه تجاه الشعب؟

وردا على هذا التوضيح، يقول الأستاذ الشارني: «لو كانت هناك محاكم مختصة (وبالتالي مدّعي عام مختص) لكانت أسرعت بفتح بحث ضد المُدَّعَى عليها ولاتـُّخذت في حقها الإجراءات القانونية المناسبة بما لا يدع هذه الشكاية تتأخر في الروتين الإداري».

الوجه الآخر للنظام

عزم وإصرار متناميين من أجل إخلاء سبيل كل من كانت له علاقة بنظام الرئيس الفار. ولكن المواطن لا يلاحظ نفس الحماسة في تتبع المذنبين أو معاملة المعارضين..

فقد عرضت «Chaine TnLeak» بتاريخ 18 جويلية على الموقع الاجتماعي التويتر واقعة اغتصاب طفل ـ لعله لا يتجاوز من العمر 15 سنة ـ بالمتراك من قبل عناصر ترتدي زي الحرس الوطني..

فهل عملت السلط المختصة على متابعة الفيديو والتأكد من تلك العناصر من أجل محاسبتها أيا كانت انتماءاتها؟

كل ذلك لا يمكن أن يكون بمعزل عن سياق سياسي متكامل، إذ تعرض الصحافيين إلى الاعتداء في أكثر من مناسبة لعل أبرزها ما جد في أحداث القصبة 3 الأخيرة يوم 16 جويلية. إلا أنّ الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة المؤقتة لم يكتف بذلك، بل ذهب إلى اتـّهام وسائل الإعلام بأنها تتحمل جزءا من المسؤولية عن عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي بتونس آنذاك.

إن إيقاف مسؤولين فاسدين في نظام المخلوع ومن ثمة الإفراج عنهم يؤكد أن هؤلاء الفاسدين ما زالوا يمسكون بزمام الأمور في الدولة وهو ما يلخص كلمة البشير التكاري «مصارنهم بين يدي». وكل الإيقافات التي شملت هؤلاء المسؤولين ما هي في حقيقة الأمر سوى ذر للرماد في العيون ومحاولة لامتصاص غضب الشارع والالتفاف على الثورة من ناحية أخرى.

سارة بن الغول



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني