الصفحة الأساسية > البديل العربي > حقيقة الدور التركي في القضايا العربية
حقيقة الدور التركي في القضايا العربية
4 تموز (يوليو) 2010

الهجوم الصهيوني على "قافلة الحرية" ومقتل تسعة من ركابها وجرح واعتقال العشرات، والردّ التركي على هذا الهجوم، جعل تركيا تطفو على سطح الأحداث كطرف مباشر في النزاع العربي الصهيوني. فما حقيقة الدور التركي وإلى أي مدى يمكن أن يتطوّر؟

من البديهي أن مواقف تركيا من القضية الفلسطينية تغيرت نسبيا بعد وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة. لكن هذا التغير لا يجب النفخ فيه كثيرا والمضيّ في التفاؤل أكثر من اللازم. فهذا الدور محكوم بعدة توازنات داخلية وخارجية ولا يمكنه في كل الأحوال تجاوز خطوط حمر هي بمثابة الثوابت في السياسة الخارجية التركية بغضّ النظر عن الحكومة التي تحكمها. ومن أهم هذه الثوابت أولا: الجيش التركي الذي يلعب دورا محددا في السياسة التركية ويضبط توجهاتها العامة ولا يمكن لأيّ حكومة أن تتجاوزه. ثانيا: القضية الكردية التي يعتبرها النظام التركي قضية أمنية وعسكرية بالأساس. وهذا الموقف لم يتغير رغم تعاقب أكثر من حكومة على تركيا. فالنظام التركي لا يعترف بحقوق الأكراد ولا ينوي الاعتراف بقضيتهم ومنحهم حكما ذاتيا. والسياسة الخارجية التركية محكومة إلى حد كبير بهذا الملف، وعلى أساسه تحدد علاقاتها وتحالفاتها الخارجية. ثالثا: تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي وانخرطت بشكل غير مباشر في كل الحروب التي عرفتها المنطقة العربية وخاصة الحرب على العراق حيث كانت قاعدة خلفية للقوات الغازية. كما أن تركيا ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي وهي لذلك تقدم بعض التنازلات وتحاول لعب بعض الأوراق للوصول إلى هذا الهدف.

إن هذه الثوابت التي تحكم السياسة الخارجية التركية تجعل من النظام التركي حليفا استراتيجيا للقوى الامبريالية والاستعمارية أكثر منه صديقا لقوى التحرر الوطني في المنطقة العربية. وهو ما يجعلنا لا نذهب بعيدا في التفاؤل بالدور التركي في القضايا العربية. وهذا ما يفسر "جرأة" الكيان الصهيوني على مهاجمة "قافلة الحرية" وقتل وجرح العشرات من ركابها وأغلبهم أتراك وتحويل وجهتها وإسقاط العلم التركي من عليها. إن هذا الهجوم هو بمثابة إعلان الحرب على دولة ذات سيادة خاصة وأنه تمّ داخل المياه الدولية، وكان بإمكان تركيا الرد على هذا الاستخفاف بها ردا عسكريا، وهي قادرة على ذلك بالنظر إلى ما تملكه من قوة عسكرية لا يستهان بها ويقرأ لها ألف حساب. لكنها اكتفت بالرد الكلامي ولم تجرأ حتى على قطع علاقاتها الديبلوماسية مع الكيان الصهيوني.

إن تركيا لا يمكنها الذهاب بعيدا في معاداة الكيان الصهيوني وحاميه الأول، الولايات المتحدة الأمريكية. وما تقوم به في علاقة بالقضية الفلسطينية لن يتجاوز بعض الإجراءات الشكلية والمحدودة والتي لا يمكن أن تتجاوز الخطوط الحمر التي من شأنها إثارة غضب الإدارة الأمريكية. فتركيا تدرك جيدا حجم المشاكل التي يمكن أن تجنيها في صورة ذهابها بعيدا نحو "القضايا العربية" وابتعادها عن القوى الامبريالية بقيادة أمريكا. وأكبر ملف يقلقها في هذا الجانب هو الملف الكردي بدرجة أولى والانضمام إلى الاتحاد الأوربي بدرجة ثانية. وهي تعرف أيضا أن المخابرات الصهيونية والمخابرات الأمريكية تنشط بشكل جيد في شمال العراق أين أصبح للأكراد هناك ما يشبه الدولة التي لا يخفى على أحد ما أصبحت توفره من دعم لحزب العمال الكردستاني رغم الاختلاف بين هذا الحزب وبين الحكومة التي تسيطر على إقليم كردستان شمال العراق. وتركيا اليوم ترى أن التواجد الاسرائيلي في شمال العراق أصبح واقعا ملموسا ويهدد أمنها القومي لأنه يقدم المساعدة لحزب العمال الكردستاني سياسيا وماديا وعسكريا. وقد أعربت عن خشيتها هذه ونقلت مخاوفها إلى أكراد العراق وإلى حكومة المالكي وإلى الإدارة الأمريكية وحتى إلى الكيان الصهيوني الذي تربطها معه علاقات ديبلوماسية واقتصادية. لكنها لم تجد تجاوبا يتلاءم مع مخاوفها وهو ما جعلها تعتبر ذلك استخفافا بها وتعديا على أمنها القومي فبدأت تجرّب أسلوب الضغط من خلال تهديدها بدعم القضية الفلسطينية وربط علاقات وثيقة مع إيران والوقوف إلى جانبها في خلافها مع واشنطن وتل أبيب. وفي المقابل فإن الكيان الصهيوني يستعمل هو الآخر أوراقه للضغط على تركيا وتغيير وجهتها عن دعم القضايا العربية. وأهم ورقة بالنسبة إليه هي الورقة الكردية التي أصبح من الواضح أنه يستعملها للإضرار بتركيا. وفي هذا الإطار يرى بعض الملاحظين أن التصعيد الأخير من طرف حزب العمال الكردستاني يتنزل في هذا الاتجاه.

خلاصة القول أنه لا يجب التفاؤل كثيرا بالدور التركي في علاقة بالقضية الفلسطينية خاصة وبالقضايا العربية والإسلامية عامة، فهذا الدور لن يتجاوز التصعيد الكلامي والقيام ببعض المبادرات الجزئية والشكلية التي تهدف أولا إلى امتصاص غضب الشعب التركي وتهميش القضية الكردية وحشد الدعم حول مواقف الحكومة. وثانيا، إلى استعمال القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني كورقة ضغط على الكيان الصهيوني وعلى أمريكا لإجبارهما على مراعاة مصالح تركيا والكف عن دعم أكراد العراق المتهمين بدعمهم لحزب العمال الكردستاني. وحتى الكلام الكثير الذي قيل حول تغيّر مواقف تركيا منذ مجيء حزب "العدالة والتنمية" ففيه الكثير من المبالغة لأن هذا الحزب لم يتخذ خطوات عملية لا في علاقة بالقضية الفلسطينية ولا بمجمل القضايا العربية الأخرى (العراق، لبنان...) ولا حتى بالقضية الكردية إلا إذا استثنينا طرح الحكومة الحالية مشروعا سياسيا سمّي "مشروع الاصلاح السياسي للقضية الكردية" الذي لم يحقق شيئا لأكراد العراق إلى حد الآن ما عدا "الاعتراف باللغة الكردية كإحدى اللغات المحلية" وتأسيس "قناة تلفزية ناطقة بالكردية" تحت إشراف الحكومة. ولايزال أكراد تركيا يتعرضون للقمع والحرمان من أبسط الحقوق. وكل دولة لا تحترم حقوق مواطنيها وتمارس ضدهم العنصرية والبربرية لا يمكنها بأيّ حال من الأحوال أن تكون محررة لشعوب أخرى.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني