عرف مقرّ الإتحاد الجهوي للشغل بقفصة منذ صباح السبت 29 مارس حركيّة غير عاديّة، حيث انطلقت مبكّرا الأغاني الفلسطينيّة صادعة بالثورة والمقاومة والصمود إلى درجة أنّ السّامعين ذهب في ظنّهم أنّ هناك تظاهرة بمناسبة يوم الأرض وتدعّم هذا الظنّ بحضور فرقة أولاد المناجم التي غنّت أجمل أغانيها، ولكن بمجرّد مغادرتها الركح أُسقط في يد الجميع إذ أطلّ الكاتب العامّ للإتحاد الجهوي للشغل عمارة العبّاسي ومجموعة من معاونيه ودون أن يضع تلك المقدّمات الموسيقيّة في مكانها ودون أن يعرّج لا على يوم الأرض ولا على القضيّة الفلسطينيّة ولا على العدوان على غزّة، انتصب رادّا على الإجتماع الخطابي الذي أُقيم في ساحة الاتحاد يوم 25 مارس بمناسبة التضامن مع النقابي عدنان الحاجّي، حينها انسحب عشرات من النقابيين وغيرهم.

1) في طبيعة الحضور:

ولأنه لم توزّع لا دعوات عامّة أو مخصوصة، فإنّ الحضور كان منتق بدقة و كانت النسبة المطلقة منه لعمّال مناولات ابنه وصديقيه الهويشاتي وبن عمر الذين هُدّدوا بالطرد في صورة التغيّب عن الحضور، كما حضر البعض من أبناء عرشه من نقابيين متقاعدين وتجمّعيين، وزُين التجمّع ببعض الناجحين في مناظرة شركة الفسفاط الأخيرة وعائلاتهم الذين عُلّقت لأجلهم لافتة كبيرة كتب عليها بخطّ ركيك دعوة لتشغيلهم يوم 1 أفريل.

2) في طبيعة الخطاب:

تركّز جلّ كلام عمارة العبّاسي على مهاجمة عدنان الحاجّي معدّدا شتّى المعونات التي تلقاها وعائلته من مال المنظّمة ومن ماله الخاصّ معرّجا على مرض زوجته وحاجيات أبنائه مشنّعا بخصاله الفرديّة ومشهّرا بمسلكيّته الشخصيّة وصولا للتشكيك في كفائته كمربّي وفي كفاءة زملائه الذين أوصلوه لذلك الموقع النقابي، كما اعتبره نشازا داخل المنظّمة النقابيّة ومشوّها لرؤاها ودائسا على نظامها الداخلي وقانونها الأساسي. كما خصّص جزءا من حديثه للمساعدات التي تلقاها الاتحاد الجهوي من شركة الفسفاط مؤكدا سعيه لمضاعفة المنح الممنوحة، مثلما دعا إلى الإسراع بتشغيل أفراد قائمة الناجحين في مناظرة شركة الفسفاط.

3) ملاحظات:

لقد مرّت عديد المناسبات النقابيّة والوطنية والقوميّة الهامّة ولم يبادر الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة بتنظيم تظاهرات وتجمّعات للإحتفال بها كان آخرها اجتياح غزّة حيث أُغلقت أبواب الاتحاد أمام رغبة النقابيين في تنظيم فعاليات مساندة بل حُلّت لجنة في الغرض، وبعد سبات عميق نراه ينظّم تجمّعا خطابيا في محاولة للردّ على اتهامات وُجهت لكاتبه العام ليبرز هذا الأخير أكبر من المنظّمة النقابيّة ومن النقابيين وليتحوّل الاتحاد إلى فضاء شخصي يبرّر فيه كلّ شيء لخدمة فرد. لقد سكت الاتحاد الجهوي على الأحداث الهامّة التي تحيط به لمدّة قاربت الثلاثة أشهر في وقت كان معنيّا بها بدرجة كبرى من حيث أنّ الملف ارتبط اجتماعيا بحقّ الشغل وارتبط تقنيّا بتركّز جملة من الاحتجاجات في الاتحادين المحليين بأم العرايس والرديف كما ارتبط موضوعيّا باقتران التحرّكات باتهامات وُجّهت للرموز النقابية المتنفذة بالتلاعب بالحصّة الإجتماعيّة الممنوحة لنقابات المناجم، ولكنّه تحرّك حين أصبحت مصالح الكاتب العام على المحكّ، ولكنّه حين تحرّك لم يكن ذلك لأجندا نقابيّة وبوجوه نقابيّة بل جُنّدت فيها أطراف غريبة عن الاتحاد في مشهد يذكّرنا بزمن المليشيات التي كان الاتحاد أكثر من اكتوى بها عبر استغلال أعوان المناولة الذين اغتنى من عرقهم ولم يسمح لهم حتّى بالتنظّم النقابي، مثلما استعمل مجموعة من الناجحين المفترضين في المناظرة الأخيرة وعائلاتهم وهو الذي لم يعمل يوما على مساعدتهم مفضّلا عليهم أبناء الأتباع من النقابيين.

4) هوامش:

 راج أنّ والي قفصة الجديد هاتف عمارة العبّاسي صباح التجمّع ناصحا إيّاه بإلغائه لما يمكن أن ينجرّ عنه من تداعيات سلبيّة على الجهة والاتحاد.
 لقد جاء التجمّع في سياق التحضير لجملة من التجمّعات المماثلة في المظيلة والمتلوي وأم العرايس وحتّى الرديف ويبدو أنّ سيناريو استعمال العنف قد نُوقش أيضا.
 لوحظ امتعاض شديد لعديد الحاضرين في التجمّع لسفافة الخطاب وهبوطه حتّى أنّ أحد الحضور قد علّق: "لقد قضّيت أكثر من 20 سنة في الشعب المهنيّة وأستغرب كيف وصل هذا الشخص لقيادة الاتحاد الجهوي"
 بعد انفضاض التجمّع مُنح الحاضرون وصلا بـ25 دينار.
 تهجّم عمارة العبّاسي على قناة الحوار التونسي لتنضاف شهادة أخرى لرصيد هذا الفضاء الإعلامي الذي ما فتأ يفتح أعين الرأي العامّ على الأوضاع المتردّية بالمناطق المنسيّة بالبلاد التونسيّة.
 على إثر انتهاء التجمّع صاحب عمارة العبّاسي جملة من المسؤولين النقابيين في زيارة أولى من نوعها إلى أصحاب الشهائد المعتصمين أمام المجلس القروي بزانوش فُهمت على أنّها محاولة لتبييض.... الذمّة.
 تساءل العديد من الملاحظين أنّه إذا كان عدنان الحاجّي قد أُوقف عن النشاط النقابي لاحتضانه لنضالات المعطّلين هل سيحال العبّاسي على لجنة النظام لفتحه مقرّ الإتحاد أمام عديد الناجحين في المناظرة الأخيرة للمناداة بالإسراع بتشغيلهم!!!