الصفحة الأساسية > بديل الشباب > لتكن سنة الجرأة والنضال
بمناسبة افتتاح السنة الجامعية :
لتكن سنة الجرأة والنضال
10 تشرين الأول (أكتوبر) 2003

فتحت الجامعة أبوابها لتستقبل هذا العام حوالي 300 ألف طالب يباشرون حياتهم الجامعية في ظروف مادية وتعليمية تتدهور من عام لآخر. فأبناء الشعب المفقر يفتتحون عامهم الجامعي وجيوب آبائهم "تئن" من الزيادات الأخيرة التي طالت عديد المواد الاستهلاكية (ص.ش العدد الفارط) والتي أتت لتنهك هذا الجيب المنهك أصلا. إن أبناء الغلابى يعرفون ما معنى أن تتزامن هذه الزيادات مع مفتتح السنة الدراسية والجامعية. إنها تعني مزيدا من التداين والتقشف والمتاعب، بينما كان يعني ولوج الجامعة في المخيال الشعبي بدء نهاية المعاناة و"قرب ساعة الفرج" لأن الشهادة الجامعية هي "العصا السحرية" التي تقضي على الفقر وتمكن العائلة من تحسين محل السكنى وشراء السيارة وتزويج الابن وتمكين الأب والأم من الحج... "أليس ابنهم أستاذا أو طبيبا أو مهندسا أو محاميا...". لكن للواقع عناده وللمعطيات الملموسة قولها الفصل، إذ أننا لا نجانب الصواب حين نقول أن الحياة الجامعية اليوم بتونس هي سلسلة متواصلة من المشاكل والعوائق بدءا بالسكن الجامعي الذي يعد الحصول على عام ثان بالنسبة للطلبة والطالبات من باب المعجزات التي لا تتحقق إلا لأصحاب الامتيازات من الطلبة المخبرين والدساترة وأصحاب "المعارف" (الأكتاف). وبلغة الأرقام فإن كان عدد المؤسسات الجامعية العمومية (تفريقا لها عن الخاصة) لم يتجاوز 68 مبيتا، وحتى يكتمل المشهد نقول أن عدد المبيتات الخاصة هو في حدود 148 مبيتا (مع العلم أن هذا هو عدد المبيتات المعلنة، إذ توجد العشرات غير المعلنة) التي تعرف باسم "شقق مؤثثة للكراء" وهي مخصصة للطالبات عادة). وبلغة الأرقام دائما، لا يتجاوز عدد المنتفعين بالسكن الجامعي الـ60 ألف من أصل 300 ألف طالب أي 20%. أما 80% الباقون فهم فريسة للخواص والسماسرة وأصحاب المحلات الملحقة في البيون والتي عادة ما تكون "قاراج" أو "حانوت"... يتحول بقدرة قادر إلى "ستوديو للكراء" لا يقل معلومه عن 150 دينارا مضافا إليها تسبقة شهر أو ما يعرف بـ"الضمد" ليعيش الطالب مصاعب جمة من الضيق إلى انعدام التهوئة والرطوبة.

أما طلبة السنوات الأولى الجدد المتعمتعون بالسكن في الحي الجامعي فإن تعاسة ظروف السكن المتمثلة في قدم البنية الأساسية لأعلب المبيتات المشيّد أغلبها في السبعينات والثمانينات والمتمثلة في اتساخ الجدران وعدم دهنها بصفة دورية وقدم الأبواب والشبابيك والأسرة وعدم تمكين الطلبة من الأغطية ومن التسخين المركزي والماء الساخن... كلها جعلت عددا كبيرا من الطلبة يفرون من هذه الحياة المسماة زيفا جامعية. وعلى ذكر الظروف التعيسة التي يحياها طلبتنا نذكر ما جرى لطلبة جندوبة في العام المنقضي حين هطلت الأمطار بغزارة وانقطع الاتصال مع هذه الجهة، فالتجأت إدارة المبيت لاستعارة "الزور" (أغطية) من ثكنة الجيش والشرطة لمواجهة انعدام الأغطية وتعطل التسخين المركزي. وهذا الأمر من المنتظر أن يتكرر هذه السنة خاصة وأن الأحوال المناخية تنذر بشتاء ممطر وقارس. ومرور الشتاء لا يعني نهاية المتاعب بالنسبة للطلبة. فالوضع في آخر السنة الجامعية أمرّ حين تتحول المبيتات إلى ملجإ آمن للناموس والوشواشة والذباب... ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن أغلب المبيتات بنيت في بقايا مستنقعات وخارج مناطق العمران قرب مصبات الفضلات والوديان والمزارع.. (منوبة، سهلول، القيروان، صفاقس، قفصة..).

إن وضعية السكن الجامعي وخاصة عدم تمكن الأغلبية منه، تساهم كل سنة في انقطاع العديد عن الدراسة وخاصة الطالبات وأبناء الجهات النائية، خاصة إذا وُجد في العائلة الواحدة أكثر من طالب.

أما بالنسبة للمنحة فلا يتمتع بها إلا 90 ألف طالب من جملة 300 ألف أي 37,5%، بما يعنـي أن 210 ألف طالب لن يحصلوا على المنحة هذا العام. وهي لا تكفي لتسديد أبسط مصاريف الطالب، فمقدارها مجمد ولا يرتبط لا بمؤشر أسعار ولا بالزيادة (وإن كانت طفييفة) في الأجر الأدنى المضمون الصناعي والفلاحي. أما القرض الجامعي الذي أصبحت تسنده "الصناديق الاجتماعية" لأبناء منخرطيها على أن يسترجع عند التخرج، فهو ليس في متناول الجميع.

ولا يمكن أن ننسى ما يعانيه الطالب من جراء النقل. فعلاوة على غلاء معاليم الاشتراك، فإن سفرة واحدة من مبيت العمران إلى المركب الجامعي أو من مبيتات باردو إلى كليات منوبة أو من القيروان المدينة إلى رقادة أو من صفاقس إلى طريق المطار... كافية لإقناعنا بأن بلادنا تنتمي إلى "العالم الرابع أو الخامس". وحتى الطلبة غير المتمتعين بالسكن الجامعي فمعاناتهم لا تقل عن معاناة زملائهم المقيمين بالمبيتات، فبعضهم يقطع يوميا عشرين أو حتى ثلاثين كيلومترا للوصول إلى الجامعة (يسكن في طبربة مثلا ويدرس بالمركب الجامعي، أو من حمام الإنف إلى منوبة...)، في حافلات عمومية قديمة ومكتظة إلى حد الفيضان تسير في طرقات محفرة ووسط حركة مرور بطيئة وخانقة...

وبعد معاناة المبيت والنقل لا يجد الطالب ما يغذيه، فالأكلة تتردى من سنة إلى أخرى والخدمات تزداد سوءا... وحتى الترفيه فهو مفقود سواء داخل الكلية أو في المبيتات، وأحيانا لا تتوفر بعض المبيتات حتى على التلفزة.

إن مثل هذه الظروف لا يمكن بأي حال أن تكون ملائمة لنيل العلم والمعرفة، ومعاناة الطالب قد تمتد لسنوات طويلة، إذ أن معدل السنوات المقضاة في الجامعة للحصول على الأستاذية أو الإجازة يبلغ 7,3 سنوات بسبب الإخفاق. وحتى الارتفاع النسبي في نسبة النجاح في السنوات الأخيرة فهو لغايات سياسية مرتبطة برهانات ظرفية (انتخابات...).

وليس التلاعب بالنتائج هو الذي انعكس على قيمة الشهائد ومستواها، بل ارتجال البرمجة وتهميش مكونات القطاع الجامعي (أساتذة، طلبة...) من أجل تمرير برامج مسقطة على الوزير ذاتــه وعلى الدولة برمتها، فبرامج التعليم هي جزء مـن البرنامج العام للدولة المسمى "برنامج الاصلاح الهيكلي" المملى من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، والملحق باتفاق الشراكة مع الاتحاد الأروبي وبانخراط تونس في توجهات منظمة التجارة العالمية، هذه البرامج لا هدف لها سوى ربط الاقتصاد والمجتمع بالدوائر الامبريالية النهابة وما على المستعمرات الجديدة ومنها بلادنا إلا التطبيق والإذعان صاغرة. لذلك يجد شعبنا نفسه ضحية لاختيارات لم يسطرها ولم يشارك في صياغتها. وكذلك الأمر بالنسبة لطلبتنا وأساتذتنا وجامعتنا، لذلك كثيرا ما يردد عديد المسؤولين في وزارة التعليم العالي ومنهم عديد العمداء المعينين أن البرامج المسطرة لن تراجع حتى من قبل المجالس العلمية الهيكل الوحيد المنتخب، بل كل ما يستطيع هذا لهيكل هو اقتراح بعض التحويرات الجزئية والجزئية جدا. خلاصة هذا أن البرامج البيداغوجية والأكاديمية المتبعة إنما أتت لتكرس أهدافا تغريبية ولتخلق كائنات استهلاكية بلهاء من ذلك مثلا نظام السداسيات الذي وقع تعميمه في السنوات الأخيرة على كل الشعب إنما هدفه خنق الطالب وتعطيل ملكاته العقلية والنقدية بتكبيله بعدد لا يقل عن 20 شهادة كل عام مقسمة على سداسيتين لا تمكن الأستاذ حتى من بلورة إشكالية الدرس ولا تمكن الطالب من أي زاد معرفي ولا أي إمكانية للبحث والتعمق، خاصة وان هذا الأمر ارتبط بالحضور الإجباري الذي يحرم الطالب من الامتحان في الشهادة حين يتغيب ثلاث مرات عن دروسها المسيرة. وقد شمل هذا "الإصلاح"، أو بالأحرى التخريب، كل مراحل التعليم العالي التي كان آخرها تحديد عدد الترسيمات في مناضرة التبريز ذاتها بترسيمين فقط وهو ما سيحرم مئات الطلبة من حقهم في الحصول على هذه الشهادة.
إن هذا الوضع يقترن بغلاء معاليم الترسيم التي تتراوح بين 30 دينارا و200 دينار وغلاء الأدوات المدرسية والمراجع ومعاليم الرقن والنسخ... كلها حولت الطالب إلى "آلة بكماء" لا تفكر وهو ما يبرر موقف البعض من طالب اليوم، "المصطك، والمتهور والمائع والفارغ سياسيا وثقافيا..."، مقارنة بطالب العقود السابقة الذي كان عنوانا "للتحضر وقوة الشخصية ورفعة الثقافة والأخلاق"، كما أنه لا غرابة أن تتحول الكليات والأحياء الجامعية في أذهان العديد من الناس إلى "أماكن مشبوهة وغير مقبولة..." إنه جيل بن علي الذي فقّر البلاد اقتصاديا وثقافيا وسياسيا...

إن دولة بن علي، العميلة والرجعية والفاسدة، هي بصدد الإجرام في حق أبناء الشعب والتلاعب بمستقبلهم. لقد آن الأوان كي تمسك الحركة الطلابية بزمام المبادرة وتربط مع تقاليدها الأصيلة التي حولتها في السبعينات والثمانينات إلى شوكة في حلق هذا النظام. صحيح أن القمع والحصار والتدجين والتمييع والتهميش ساهم على مدى السنوات الأخيرة في تراجع مردود الحركة الطلابية النضالي ولكن إلى متى اللامبالاة وإلى متى الخنوع وقد "وصلت السكين للعظم" كما يقال ولم يعد للطالب ما يخسر سوى قيود الخوف والاستكانة التي تكبل ساعده وعقله. إن الحركة الطلابية مطالبة اليوم بإنجاز مهامها التاريخية الملقاة علىعاتقها كفصيل فاعل في حركة نضال شعبنا وجماهيره الكادحة. إن الطالب هو حامل الوعي الحقيقي (لا الزائف) وبالتالي عليه إيصال هذا الوعي لعموم الشعب فضلا عن كونه يظل مطالبا بتجسيم هذا الوعي والالتزام به ومن هنا يأخذ صفته المميزة في المجتمع. إن الحركة الطلابية مطالبة بصفة مباشرة بتصفية تركة المنظمة الطلابية وذلك بعقد المؤتمر الجماهيري، المناضل والممثل كخطوة أساسية لتجاوز وضع التفكك والتشرذم الحالي. وفي هذا المستوى بالذات على الأطراف السياسية المناضلة أن تعلب دورها كاملا في تأطير الحركة وتجنيد القواعد الطلابية للالتفاف حول المنظمة، لكن وقبل ذلك عليها أن تتجاوز بعض بقايا السكتارية والانعزالية تجاه بعضها وتجاه الحركة. إن الأطراف المناضلة خطت خطوات مهمة في اتجاه توحيد الجهود وتنسيق المواقف، لكن ما زال ينتظرها الكثير حتى ترتقي بأدائها وتفرض موازين قوى جديدة في الجامعة تمكنها من أن تتحول فعليا إلى قيادة للحركة.

إن اتحاد الشباب الشيوعي التونسي الذي لم يدخر مناضلوه ومناضلاته جهدا من أجل استعادة الاتحاد العام لطلبة تونس واستنهاض الحركة الطلابية سيكون دائما في الموعد لأجل تمكين الحركة من مسك الحلقة الرئيسية اليوم في نضالها وهي حلقة استعادة الاتحاد العام لطلبة تونس، عبر إنجاز المؤتمر الديمقراطي والإجهاز نضاليا على المجموعة التصفوية المدعومة من السلطة، كما يتوجه اتحاد الشباب إلى كل مناضلي الجامعة أطرافا وذواتا كي يطوروا لبنات العمل المشترك من أجل بعث الجبهة الطلابية التقدمية. كما يتوجه للجماهير الطلابية الواسعة في كل الأجزاء الجامعية إلى إعلاء وتيرة النضال المطلبي والاحتجاجي حول القضايا المباشرة والتي لا تحتمل مزيدا من التأجيل والتحرك بصددها على أساس محاور كبرى مثل محور السكن، الخدمات الجامعية، النقل، البرامج، معاليم الترسيم... فضلا عن الانخراط في المعارك الديمقراطية والوطنية لشعبنا ودعم القضايا القومية والأمم العادلة وفي مقدمتها نضال الشعبين الفلسطيني والعراقي في مقاومتهما المشروعة للمحتل الصهيوني والامبريالي.
- عاش النضال الطلابي الديمقراطي
- عاشت الوحدة النضالية للحركة الطلابية.
- عاش الا.ع.ط.ت مستقلا مناضلا وممثلا
- الخزي والعار للكتلة التصفوية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني