الصفحة الأساسية > البديل النقابي > من أجل سحب مشروع إصلاح نظام التقاعد
من أجل سحب مشروع إصلاح نظام التقاعد
30 أيلول (سبتمبر) 2010

أعطيت إشارة انطلاق المفاوضات بين الأطراف الاجتماعية (أعراف، نقابات، حكومة) حول المشروع الحكومي الذي أقرّه مجلس الوزراء منذ مدة حول "إصلاح" أنظمة التقاعد في القطاعين العام والخاص. وعلم في الأوساط النقابية أن الحكومة أمدّت قيادة الاتحاد بنسخة من المشروع للإطّلاع وإبداء الرأي. والغريب في الأمر أن هذه النسخة لا تزال إلى حدود كتابة هذه الأسطر طي الكتمان في مكتب الأمين العام وربما لدى بعض أعضاء المكتب التنفيذي المقربين منه. وفي أحسن الأحوال فقد تكون وصلت إلى أعضاء لجنة التفاوض (شندول، البريكي، بوزريبة وحسين العباسي). وهو ما يعني أن تفاصيل المفاوضات حول ملف بمثل هذه الخطورة ستكون حكرا على هذه اللجنة وعلى الأمين العام والحال أن كل القطاعات ومن ورائها سائر الأجراء في القطاعين العام والخاص معنية بتفاصيل هذه المفاوضات وكان يفترض أن يحال مشروع الحكومة على جميع هياكل الاتحاد (جامعات واتحادات جهوية ولم لا نقابات وفروع جامعية جهوية) للإطّلاع وإبداء الرأي وتقديم الملاحظات والمقترحات حتى تكون وجهة نظر الاتحاد مستمدة من الهياكل الممثلة وذات الصلة المباشرة بالقواعد المعنية أولا وأخيرا ببرنامج "الإصلاح" المزعوم.

إن توخي هذا التمشي الفوقي والاكتفاء بنقاش الهيئة الإدارية، قبل أن يتسلم الاتحاد المشروع الحكومي، وهو نقاش أفضى إلى إعلان مبادئ عامة وسطحية، إنما المقصود منه هو تغييب الأجراء وممثليهم المباشرين وحرمانهم من إبداء رأيهم في مشروع يتهدد مستقبلهم إضافة إلى أنه سيكلفهم بصورة مباشرة تضحيات إضافية وجديدة على حساب لقمة عيشهم. والمقصود أيضا بهذا التمشي هو حصر التفاوض بين أروقة المقرات وبين الوفود الرسمية لتسهيل التوصل فيه على مفاهمات لن تغيّر شيئا في جوهر المشروع وإجراءاته وبالتالي تلافي أيّ ضغط قاعدي وأيّ احتجاج جماهيري مثلما هو جار في عديد البلدان وآخرها فرنسا التي شهدت كل مدنها مظاهرات عارمة ودعت فيها كل النقابات إلى إضراب عام يوم 23 سبتمبر 2010.

ومن المعلوم كذلك أن قيادة الاتحاد عبّرت منذ عدة أشهر حسبما تناقلته أوساط الإعلام الرسمي عن استعدادها المبدئي للقبول بإصلاح أنظمة التقاعد بتعلة أن الصناديق الاجتماعية تعاني من صعوبات مالية تنبئ باقتراب آجال إفلاسها، بل وذهب أحد أعضاء القيادة إلى الإعلان خلال الهيئة الإدارية الوطنية ليوم 15 أوت الماضي بأنه يمكن القبول بالترفيع في أجل الإحالة على التقاعد من 60 سنة إلى 62 سنة ولكن على دفعات وبمعدل 6 أشهر في كل سنة ابتداء من سنة 2012 مؤكدا أنه يقدم "مجرّد رأي شخصي" لا أكثر ولا أقل وأنه مثله مثل بقية زملائه في المكتب التنفيذي "لا يعلم" بعد تفاصيل المشروع الحكومي. غير أن المعطيات المنشورة أخيرا لم تنتظر كثيرا لتكشف على ما في هذا التصريح من مغالطة وتمويه. فقد جاءت هذه المعطيات لتؤكد أن ما اقترحه عضو المكتب التنفيذي يوم 15 أوت وعلى سبيل "وجهة نظر شخصية" و"اجتهاد فردي" وهو بالضبط موقف الحكومة ممّا يعني أنه كان على اطّلاع دقيق عليه وأنه ربّما كان مكلفا بتمريره من داخل الهيئة الإدارية في صيغة رأي نقابي "مجتهد".

وبعد عدة أسابيع من ذلك صرّح عبيد البريكي عضو المكتب التنفيذي لجريدة الشروق بما يفيد ضمنا موافقة القيادة على برنامج الحكومة، لكن وللتهرب من إعلان موقف واضح حال تقويم المسألة في شكل افتراضات حول جوانب هامشية إذ يقول "في كل الحالات يمكن التمديد في سن التقاعد على ما بعد سن 60 سنة قد يؤثر على فرص التشغيل والعمل وبالتالي يساهم في إطالة بطالة الشباب" وكان سبق أن أكد أنه لا بد من بلورة "مقاربة واقعية وحقيقية" وأن الواجب يستدعي "النظر بعمق في الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عجز الصناديق الاجتماعية ومعها أنظمة التقاعد" وهو جوهر تكتيك البيروقراطية النقابية.

وتروّج قيادة الاتحاد هذه الأيام فكرة مفادها أن وفدها سيركز، خلال المفاوضات، أولا على أسباب إفلاس الصناديق الاجتماعية قبل أن تنتقل إلى نقاش مقترحات الحلول التي يقدمها مشروع الحكومة. وهي تلمح بذلك إلى كونها متمسكة بتحديد المسؤوليات في أسباب هذا الإفلاس أي أنها بلغة أخرى ترفض أن يقع تحميل الأجراء نتائج أزمة لم يكونوا سببا فيها. ولو دققنا النظر في هذه الفكرة لاكتشفنا غرض القيادة من هذا التمشي. فهي في الحقيقة تريد الظهور بمظهر المفاوض المبدئي والعنيد الذي لا يقبل الدخول في نقاش مشروع دون أن يحمل الطرف المقابل مسؤولية خور السياسة التي اتبعها والتي أدت على هذا الوضع. هذا المظهر من شأنه أن يعطي انطباعا لعموم النقابيين والشغالين بأن لقيادة غير متواطئة وأنها تحدد مواقفها دون تأثير من الحكومة والأعراف. وخلف هذه النية تكمن كثير من الحسابات الانتخابوية تسيطر على ذهن أعضاء القيادة سنة قبل المؤتمر الوطني القادم. ومن هذا المنطلق "تحاذر القيادة الرأي العام النقابي وتستعمل حياله خطابا شعبويا لتغلف حقيقة موقفها المزكي لمشروع الحكومة. والحقيقة أن وضعها في مثل هذا الظرف الحساس دقيق فهي من جهة لا تريد ليّ العصا في يد السلطة حتى لا تغضب منها وتعطيها الضوء الأخضر للانقلاب على الفصل العاشر من القانون الأساسي وهذا يتطلب منها أن تمرّر المشروع ومن جهة أخرى تحاول أن لا تفتضح لدى الرأي العام النقابي كمتواطئة مع الحكومة حتى لا يغضب منها النقابيون ويعارضوا أي سيناريو ستقدمه للانقلاب على الفصل 10 مرة أخرى. وفي كل الأحوال فقد تحوّل برنامج إصلاح أنظمة التقاعد إلى موضوع مقايضة بين الحكومة والقيادة النقابية على أن يقع تضليل العمال والنقابيين بخطب رنانة من قبيل عدم الدخول في أيّ تفاوض حول مقترحات الحلول قبل تحديد من المسؤول عن تفليس الصناديق الاجتماعية، متناسية أن هذا المنطلق من المفروض أن يؤدي إلى تحميل المسؤول عن التفليس تبعات فعلته، لا على قبول المشروع الجديد الذي يحمل التبعات إلى العمال والأجراء.

إن التمشي العام الذي تنوي القيادة النقابية اتباعه حيال "إصلاح" أنظمة التقاعد لا يختلف من حيث الروح والجوهر على التمشي الذي اتبعته قبل سنوات في ملف التأمين على المرض، هذا التمشي الذي ثبت اليوم أنه كان بمثابة الخيانة الموصوفة للأمانة التي ائتمنت عليها القيادة ألا وهي الدفاع عن مكاسب العمال وحقوقهم. لذلك فإن الخطر الذي يصاحب هذا المشروع اليوم هو في الحقيقة خطر مزدوج وهو خطر مادي سينجر عن حملة الإجراءات التي يتضمنها المشروع من ناحية (الترفيع في سن التقاعد، والزيادة في نسبة الاشتراك في صناديق التقاعد والحط من نسبة معلوم المعاش...) وخطر استغلال هذا الملف من طرف قيادة الاتحاد لتقديم تنازلات للسلطة مقابل كسب دعمها للانقلاب على الفصل 10 واستدامة تواجدها على رأس المنظمة خدمة لمصالحها الضيقة ولمصالح السلطة والأعراف.

حيال هذا الوضع لا بد من الانتباه لهذا المخطط الخطير الذي رسمته القيادة عن وعي وتريد تمريره بكل الطرق.

النضال هو الطريق الوحيد لإفشال كل المشاريع

مرة أخرى يعطينا عمال فرنسا المثال في مقاومة غطرسة رأس المال إذ رغم التعنت والصلف الذي يبديه رئيس الدولة اليميني ساركوزي لم يتراجعوا بل ما انفكوا ماضين في تصعيد وتيرة وأشكال النضال حتى تسحب الحكومة مشروعها المتعلق بمراجعة منظومة التقاعد. وليس أمام عمال وأجراء تونس غير النسج على منوال رفاقهم الفرنسيين لأن الهدف الأنسب اليوم ليس البحث عن فرض تنقيحات أو تعديلات في مشروع الحكومة التونسية لإصلاح نظام التقاعد بل في رفضهم جملة وتفصيلا ومنع تطبيقه وحماية المكاسب المحققة مع مزيد تحصينها وتدعيمها. فالهياكل النقابية القطاعية والجهوية من كل درجات ومستويات المسؤولية والتمثيل مطالبة اليوم بالضغط على القيادة من أجل أن تفتح باب النقاش والحوار حول دواعي ومضامين ومرامي هذا المشروع الخطير. هذا النقاش الذي من شأنه لا فقط توضيح تفاصيل الإجراءات المزمع سنها بل وكذلك صياغة المقترحات البديلة والحلول الصحيحة لمعالجة أزمة الصناديق وحشد وتعبئة القواعد للدفاع عن هذه المقترحات وتوفير مستلزمات فرض تطبيقها.

ومن غير المستبعد، بل من شبه اليقين أن المكتب التنفيذي سيتصدى لهذا المسعى وسيعوضه بالندوات السياحية في النزل الفخمة ليكون النقاش ثرثرة لا طائل من ورائها ولن تفضي إلا لتكديس أكوام من اللوائح المدبجة أحسن تدبيج، توضع على المكاتب الفخمة لأعضاء المكتب التنفيذي. ولكن إرادة النقابيين والنقابيات وهياكلهم لا بد أن تكون أقوى ولا ينبغي أن يلدغوا من نفس الجحر مرة أخرى بعد أن لدغوا منه كم مرة آخرها بمناسبة ملف التأمين على المرض. وما ينبغي إدراكه اليوم هو أن مجاراة النسق الذي تريد البيروقراطية اتباعه سيؤدي حتما إلى تمرير هذا المشروع الخطير الذي ستطال آثاره الجميع ولا نخال الكثير من الجامعات ومن الهياكل التابعة لها في الجهات ستقبل بمثل هذا المصير المؤلم.

إننا نعتقد أن حركة احتجاجية من قبل الإطارات النقابية في مستوى النقابات الأساسية والجهوية سيكون له صداه في الجامعات والاتحادات الجهوية من جهة وفي القواعد العمالية من جهة ثانية وسوف لن يكون أمام البيروقراطية إلا الإذعان للحركة وإلا فإن تجاوزها سيكون أكثر من مبرر ومعقول وعندئذ ستكون مراكز العمل الشارع وساحات الاتحاد مدارا للمعركة.

إن البيروقراطية والسلطة تستمدان غطرستهما من ضعف قواعد الاتحاد، وإن إلحاق الهزيمة بهما في هذا الملف أمر وارد وممكن. ومهما يكن من أمر فإنه ليس للنقابيين ما يخسرون حتى على افتراض أنهم لن يتوصلوا إلى حشد القواعد للاحتجاج ميدانيا، فإن عدم مجاراة نسق البيروقراطية سيوفر على الأقل وفي أسوأ الحالات شروطا أفضل للتفاوض وسيمنع البيروقراطية من النزول بسقف المطالب إلى الحد الذي تشترطه السلطة بتمرير مشروعها.

وفي صورة عدم القدرة على دفع الحكومة إلى سحب مشروعها سيكون من الممكن ربما فرض تنقيحه تنقيحات جدية تشمل النقاط التالية:
- منع توظيف زيادة جديدة في نسب مساهمة العمال والأجراء في صناديق التقاعد.
- فرض تحميل الدولة والأعراف دفع مبلغ العجز المسجل.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني