الصفحة الأساسية > البديل العالمي > 30 سنة من الانغلاق... تكفي!
مظاهرات إيران:
30 سنة من الانغلاق... تكفي!
22 تموز (يوليو) 2009

عاد الهدوء النسبي إلى شوارع طهران بعد المظاهرات الشعبية التي اندلعت على إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات في 12 جوان الماضي والتي أسفرت كما هو معلوم عن إعادة انتخاب أحمد نجاد لولاية ثانية. وقد أدت هذه المواجهات إلى مقتل أكثر من 17 شخصا وجرح العشرات. واستغل النظام الحاكم في إيران هذه الاضطرابات لمزيد التضييق على الحريات الفردية والعامة وشن حملة اعتقالات واسعة شملت ما يزيد عن مائة شخصية سياسية. كما أغلقت عديد الصحف والمواقع الإلكترونية بما في ذلك صحيفة موسوي الذي حاز على 14 مليون صوت في الانتخابات الأخيرة حسب الأرقام الرسمية.

1 – نظام منغلق ومجتمع ملغوم:

يبدو النظام الإيراني متماسكا منذ الإطاحة بنظام الشاه في 1979. وذهب الأمر ببعض الإسلاميين إلى اعتباره أنموذجا للنظام الذي يجب أن يسود في البلدان الإسلامية ويكون بديلا للأنظمة الرأسمالية والاشتراكية التي "أثبتت فشلها". لكن هذا التماسك كان يخفي مجتمعا مكبوتا تشقه التناقضات وينخره واقع اقتصادي واجتماعي متردي على جميع المستويات لم تتمكن "الثورة الإسلامية" بعد مرور ثلاثين سنة من معالجته وتحقيق الشعارات التي وعدت بها الشعب الإيراني. فنصف الإيرانيين تحت خط الفقر ونسبة البطالة في ارتفاع متواصل (12.3% سنة 2002) والأمية تضرب 20% من الإيرانيين. وعلاوة على ذلك يعاني الشعب الإيراني من انعدام الحريات الفردية والعامة وإخضاع كل مؤسسات الدولة لحكم ظلامي متخلف يحاول امتصاص غضب الشعب من خلال تداول شكلي على السلطة في إطار مؤسسة النظام والدخول في صراع مع الامبريالية والصهيونية يحتد حينا ويخفت أحيانا أخرى حسب مصالح الأقلية الحاكمة. فلا وجود لأحزاب سياسية معارضة في إيران، فـ"الثورة" قضت على كل تنظيم مستقل خارج مؤسسة النظام ممّا اضطر المعارضين إلى الهجرة وخاصة التنظيمات الشيوعية والليبرالية البرجوازية والفوضوية وحتى الإسلامية ذات التوجه "اليساري" (اليسار الإسلامي). ويوجد اليوم أكثر من 5 ملايين مهجّر إيراني! كما أن الحريات الفردية مقيّدة وتعاني المرأة من التمييز والدونية ويشعر الشباب بالغبن والقهر (44% من السكان هم دون 15 سنة) بسبب التضييق على الحريات الفردية والعامة.

لذلك فإن الاضطرابات الأخيرة لم تكن مفاجأة وما الانتخابات سوى القطرة التي أفاضت الكأس. وقد استغل الشعب الإيراني وخاصة الشباب هذه المناسبة للتعبير عن رفضه لهذا النظام وتوقه لبناء نظام ديمقراطي يحقق له طموحاته في الحرية وفي العيش الكريم.

2 – دور الامبريالية والصهيونية في المظاهرات

تـُحدّد الامبريالية موقفها من أي نظام سياسي حسب مصالحها بغض النظر عن طبيعة هذا النظام. ومن هذا المنطلق سارعت الامبريالية العالمية بقيادة أمريكا، وكذلك الكيان الصهيوني، إلى إعلان مساندتها ودعمها للاحتجاجات مطالبة النظام الإيراني بـ"احترام إرادة شعبه" ومهدّدة إياه بعقوبات اقتصادية. وهي تفعل ذلك ليس لأن النظام الإيراني نظام غير ديمقراطي بل لأن هذا النظام يسعى إلى أن يكون مستقلا وغير تابع، وهو يدعم المقاومة في لبنان وفي فلسطين وله طموحات نووية يسعى من خلالها إلى أن يكون قوّة إقليمية في مواجهة الكيان الصهيوني. كما أن إيران هي نقطة الوصل بين حربين تخوضهما الولايات المتحدة، أفغانستان شرقا والعراق غربا. ولا يمكن تجاهل دورها في تحديد نتائج هذين الحربين وما يمكن أن تلعبه من دور في ترجيح الكفة لصالح أمريكا أو مزيد تعسير مهمتها والتعجيل برحيلها. لذلك فإن الامبريالية الأمريكية وضعت إيران في مركز اهتمامها وأولتها أهمية بالغة وعملت على الإطاحة بنظامها أو على الأقل احتواءه. ووصل الأمر إلى حد تصنيفها ضمن "محور الشرّ". ومن البديهي أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد نظاما عميلا في إيران. وما كانت لتساند التحركات لو أن قادة هذه التحركات يناهضون المشروع الامبريالي ويسعون إلى إقامة نظام ديمقراطي وشعبي ووطني. لكنها تعلم علم اليقين أن موسوي أفضل بالنسبة لها من نجاد، ويمكن أن يكون مدخلا لإقامة نظام عميل في إيران.

3 – موقف الأنظمة العربية

اعتادت الرجعيات العربية على الاصطفاف وراء الموقف الامبريالي الصهيوني في علاقة بالقضايا العربية والدولية. وهذه المرة لم تخرج عن القاعدة رغم أن "الإصلاحيين" الذين يقودون التحركات وإن كانوا أقل تشددا في علاقة بالامبريالية والصهيونية فإنهم لن يكونوا أفضل من "المحافظين" في علاقتهم بالأنظمة العربية الرّجعية. بل إنهم قد يهددون –في صورة وصولهم إلى الحكم- مصالح هذه الأنظمة من خلال تطبيع العلاقة مع الامبريالية والصهيونية وتوسيع نفوذهم في العراق وبعض الدول العربية الأخرى والدخول في منافسة مع الدول العربية من أجل استجلاب الاستثمارات الخارجية والفوز بالمساعدات الأمريكية. لكنّ الحكام العرب لا يهمّهم إلا إرضاء أسيادهم الأمريكان والقضاء على النظام الإيراني الحالي لأنه يدعم المقاومة ويقف حجرة عثرة أمام مشاريعهم الرجعية الرامية إلى إنهاء كل نفس مقاوم والسقوط في سياسة الاستسلام والتبعية حفاظا على الكراسي والمصالح العائلية الضيقة.

4 – دعم المقاومة لا يجب أن يكون على حساب حق الشعب الإيراني في الديمقراطية.

إن الشّعب الإيراني من حقه أن ينتفض ضد نظامه الدكتاتوري والرجعي وأن يسعى بكل الوسائل إلى الإطاحة به. ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال عدم مساندة نضاله هذا بتعلة أن النظام الحالي هو نظام يدعم المقاومة في فلسطين ولبنان ويشكل ركيزة أساسية في الجبهة المعادية للامبريالية. والشعب الإيراني الذي قدّم تضحيات جسيمة من أجل إسقاط نظام الشاه الدكتاتوري والفاسد والعميل، لا يجب أن يرتكب نفس هذا الخطأ وهو ينتفض الآن للإطاحة بنظام الملالي الرجعي من أجل إقامة نظام بديل لا يقل تخلفا عن الأول. فالتغيير الديمقراطي الحقيقي لا يمكن أن يتمّ بواسطة قيادات من داخل النظام القديم وتعمل تحت عباءته وملتزمة بتوجهاته العامة. فموسوي الذي يطرح نفسه بديلا للنظام ليس إلا الوجه الثاني لعملة واحدة، بل هو الوجه الأكثر رجعية وتخلفا بما أنه يدعو إلى تطبيع العلاقة مع الغرب والكف عن دعم المقاومة ولا يخفي انتماءه إلى الطبقات البرجوازية ودفاعه عن مصالحها. لكن، ورغم ذلك، لا يجب الانسياق وراء ادعاءات النظام الإيراني القائم الذي يريد استثمار تناقضاته مع الامبريالية ودعمه للمقاومة من أجل تأبيد استعباد الشعب الإيراني وتخوين معارضيه واتهامهم بالتبعية العمالة للخارج واعتبار المتظاهرين كمشة من المرتزقة وغيرها من الأوصاف التي لا يتردد أي نظام دكتاتوري في وصف معارضيه بها واعتبار كل تحرّك شعبي "مؤامرة خارجية".

إن الشعب الإيراني ليس مقدّرا له أن يختار بين نظامين لا ثالث لهما، إما نظام تيوقراطي وإما نظام عميل. فبإمكان هذا الشعب أن يؤسس نظاما ديمقراطيا وشعبيا ووطنيا، يحقق له الحرية والديمقراطية ويضمن له العيش الكريم ويصون كرامته الوطنية ويكون سندا لحركات المقاومة في المنطقة العربية ليس من أجل الاستقلال والكرامة الوطنية فحسب وإنما أيضا من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وإذا كانت الامبريالية العالمية بقيادة أمريكا تعمل جاهدة على إرساء نظام في إيران يخدم مصالحها فإن القوى الثورية والتقدمية في العالم عليها أن تعمل من جانبها على مساعدة الشعب الإيراني ودعمه ماديا وسياسيا من أجل وضع حدّ لسنوات القمع والاضطهاد التي عانى منها زمن الشاه وزمن الملالي وإقامة نظام سياسي ديمقراطي تقدمي وشعبي ومناهض للامبريالية والصهيونية، يكون سندا لكل حركات التحرر في المنطقة وفي العالم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني