الصفحة الأساسية > البديل العربي > الامبريالية لا تجلب سوى القهر والدّمار
في الذكرى الثالثة لـ"سقوط بغداد":
الامبريالية لا تجلب سوى القهر والدّمار
22 نيسان (أبريل) 2006

مرت يوم 9 أفريل من هذا الشهر الذكرى الثالثة على "سقوط بغداد". ففي مثل هذا اليوم من سنة 2003 تمكن التحالف الامبريالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من دخول بغداد بعد 20 يوما من القصف الهمجي. وقد اختزل الغزاة سقوط نظام صدام حسين في إسقاط تمثاله بوسط العاصمة. لكن عدسات الكاميرا نقلت أيضا مشاهد النهب التي لم تقتصر على المحلات العمومية والخاصة بل طالت كذلك رموز الهوية الوطنية مثل المكتبات والمتاحف... ليتأكد العالم بعد ذلك أن ذلك النهب كان مبرمجا مسبقا ويهدف إلى ضرب الهوية العراقية والقضاء على كل ما يرمز لصمود الشعب العراقي أمام الغزوات العديدة التي عرفها في تاريخه القديم والحديث.

وأطل بوش وبلير، عشية "السقوط"، ليتوجها برسالة إلى "الشعب العراقي"، يرددان فيها ما دأب الاستعماريون القدامى والجدد على قوله كلما دخلوا بلدا جديدا وأخضعوا شعبه بالقوة الغاشمة... لقد قالا بأن "جيوش التحالف" لم تدخل العراق غازية بل "محررة" وبشّرا الشعب العراقي بـ"الديمقراطية" وبـ"إعادة البناء"...

ولم يكن الشعب العراقي غبيا حتى تنطلي عليه هذه الأكذوبة الساذجة وهو الذي عانى من بطش الغزاة الذين فرضوا عليه حصارا تسبب في وفاة مئات الآلاف بسبب نقص الغذاء والدواء، واعتدوا عليه في غارات جوية عديدة قبل أن يقتحموا أرضه في غزو استعملت فيه كل أنواع الأسلحة الفتاكة بما فيها المحظورة دوليا. ولم يقتصر الدمار على المدن والقرى والبنية التحتية بل تعدّاه إلى نهب الهوية وطمس الذاكرة من خلال استهداف المكتبات والمتاحف...

إن أهم ما يمكن استخلاصه من دروس بعد ثلاث سنوات على إسقاط النظام العراقي هو التالي:

1 – لقد جعل سقوط النظام العراقي بعض الواهمين يعتقدون أن لا خلاص للشعوب العربية من الدكتاتوريات التي تحكمها إلا بالاستعانة بالامبريالية. معللين ذلك بكون هذه الأنظمة أحاطت نفسها بقوة عسكرية وبوليسية يصعب على الشعوب الإطاحة بها بالاعتماد على قواها الذاتية. لكن هؤلاء نسوا أن الامبريالية لا يمكن أن تكون محررة بل هي غازية وأنها لا تجلب الديمقراطية والحرية بل تجلب القهر والدمار. وحال العراق بعد ثلاث سنوات من سقوط النظام خير دليل على ذلك. فلا يمكن لعاقل أن ينكر اليوم أن حال العراقيين في عهد دكتاتورية صدام حسين كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم في عهد الاستعمار وحكومة العملاء والخونة. صحيح أن الشعب العراقي كان محروما من أبسط حقوقه وخاصة السياسية منها طوال حكم حزب العبث العراقي، لكنه اليوم محروم بالإضافة إلى الحقوق السياسية، من السيادة الوطنية ومن الأمن ومن أبسط ضروريات الحياة (الماء والغذاء والكهرباء والدواء...). لقد حول الاستعمار العراق إلى بلد محطم ومتخلف تنهشه الصراعات الطائفية، ليحقق بذلك أحد أهم الأسباب الحقيقية للحرب وهي جعل هذا البلد غير قادر على تهديد أمن الكيان الصهيوني. لكن هذا لا يعني أنه على الشعوب العربية أن لا تناضل من أجل إسقاط الدكتاتوريات التي تحكمها خوفا من "التدخل الخارجي"، بل عليها أن تعتمد في هذا النضال على قواها الذاتية وأن لا تستعين بالامبريالية في ذلك.

2 – إن المقاومة المسلحة هي نتاج طبيعي للاحتلال. فلا يمكن لأي شعب أن يستقبل غزاته بالورود أو يسكت على استباحة أرضه. والمقاومة هي السبيل الوحيد لطرد الاحتلال واستعادة السيادة. وكل من يراهن على غير ذلك فمآله مزبلة التاريخ. والمثال العراقي يؤكد هذه الحقيقة. لقد أدرك الشعب العراقي منذ اليوم الأول للغزو أن البرابرة الجدد جاؤوا من أجل النفط ومن أجل تحطيم القوة العسكرية للعراق ضمانا لأمن الكيان الصهيوني. وفي الوقت الذي كان فيه الغزاة يحاولــون ترتيب الأوضاع لفرض الصمت والخنوع، كانت النواة الأولى للمقاومة العراقية تتشكل لتبرز بعد مدة قصيرة وتفاجأ العالم بقوتها وقدرتها على ضرب العدو ضربات نوعية وموجعة.. وكلما مر يوم إلا وازدادت هذه المقاومة قوة واتساعا... وها هي اليوم بعد ثلاث سنوات تتحول إلى رقم لا يمكن تجاهله رغم التعتيم والتشويه. أما العملاء والخونة الذين باعوا الوطن بأبخس الأثمان ووضعوا أيديهم في يد المحتل خدمة لمصالحهم الفردية والطائفية الضيقة، فهم يواجهون انحصارا ما فتئ يضيق يوما بعد يوم. ورغم الدعم العسكري والمادي والإعلامي الذي يلقاه هؤلاء الخونة من المحتل ومن أتباعه فإنهم عجزوا على التفاهم حول اقتسام المناصب التي وهبها إياهم الاحتلال. وهو ما يؤكد أن ما يحرك هؤلاء هي نوازع أنانية وطائفية محكومة بمصالح خارجية لا علاقة لها بمصلحة العراق لا من بعيد ولا من قريب.

3 – إن الأنظمة العربية تحولت، أكثر من أي وقت مضى، إلى أداة طيعة في يد الامبريالية الأمريكية وحلفائها. وهي تتسابق لتأكيد الولاء والطاعة ونيل الرضى طمعا في المساعدة وخوفا على ضياع الكراسي. ولم تكتف هذه الأنظمة بتسهيل احتلال العراق من خلال المشاركة في الغزو أو مساندته أو السكوت عنه بل عملت على تنفيذ تعليمات البيت الأبيض في كل ما يتعلق بالملف العراقي مثل دعم ومساعدة الحكومة العراقية العميلة ومنع الشعوب العربية من التطوع للقتال أو حتى المشاركة في المظاهرات والتظاهرات الرافضة للحرب! ولا يجب أن ننسى النظامين التركي والإيراني اللذين تآمرا على العراق وساعدا على احتلاله، وهما اليوم يلعبان أقذر الأدوار لتكريس الاحتلال والقضاء على المقاومة.

4 – بدون مبالغة يمكن اعتبار نظام بن علي من أكثر الأنظمة العربية ولاء وتبعية للامبريالية الأمريكية سواء تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية أو بالقضية العراقية. فهذا النظام ساند الحرب على العراق وهو اليوم يقف في مقدمة "التلاميذ النجباء" للامبريالية ولا يترك أي فرصة تمر دون أن يثبت الولاء ويؤكد استعداده للدوس على الكرامة الوطنية للشعب التونسي وعزله عن محيطه الإقليمــــي والقومي من أجل نيل رضاء الإدارة الأمريكية حتى لا تضغط عليه في علاقة باحتكاره للسلطة واغتصابه للإرادة الشعبية وانتهاكه المتواصل لحقوق الإنسان. ويوجد اليوم في السجون التونسية العشرات ممّن تطوعوا للقتال في العراق أو أولائك الذين عبروا فقط عن رغبتهم في التحول إلى العراق للانضمام إلى المقاومة. ويقضي هؤلاء عقوبات طويلة في ظروف لاإنسانية بعد أن وجه لهم نظام بن علي تهما "إرهابية"، في توافق تام مع نظرة بوش وعصابته التي تعتبر مقاومة الاحتلال إرهابا لا بد من حشد كل دول العالم للتصدي له في إطار ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب"!

خـاتمة:
لقد تمكنت المقاومة العراقية بعد ثلاث سنوات على سقوط نظام صدام حسين من تحويل احتلال العراق إلى كابوس يؤرق المحتلين والمتعاونين معهم وأصبحت الساحة العراقية مستنقعا يصعب على القوات الغازية الخروج منه. والعراق اليوم هو بالفعل مقبرة للغزاة. ففي النصف الأول من شهر أفريل الجاري تمكنت المقاومة من قتل 50 جنديا أمريكيا. وعدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق منذ الغزو يقارب اليوم 2500. إلى جانب ذلك فإن "العملية السياسية"، التي تراهن عليها واشنطن من أجل تنصيب حكومة موالية لها والإسراع بالخروج من المستنقع العراقي، متعثرة اليوم وهي مهددة بالفشل. وهذا ما جعل عصابة بوش تواجه صعوبات كبيرة وضغوطا شعبية داخلية وخارجية من أجل الخروج من العراق. وكل المراقبين اليوم يرون أن هروب الغزاة من بلاد الرافدين بات قريبا. ولمنع هذا الهروب أو على الأقل تأجيله أكثر ما يمكن التجأت القوى الرجعية المتعاونة مع الاحتلال إلى تأجيج الصراعات الطائفية لشق صفوف الشعب العراقي وإلهائه عن مقاومة الاحتلال وطمس التناقض الرئيسي بينه وبين المحتلين.
إن الشعب العراقي أصبح قريبا من تحقيق انتصار تاريخي على أقوى قوة عسكرية واقتصادية في العصر الحديث. وهو اليوم في حاجة إلى الدعم الشعبي والسياسي. فهل تكون سنة 2007 سنة هروب المحتلين واستقلال العراق؟



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني