الصفحة الأساسية > البديل الوطني > هل يؤسس إضراب التعليم الثانوي لمسار نضالي جديد في القطاع؟
هل يؤسس إضراب التعليم الثانوي لمسار نضالي جديد في القطاع؟
22 نيسان (أبريل) 2006

لا يختلف اثنان أن قطاع التعليم الثانوي يتميز بماضي نضالي عريق ويزخر بطاقات وكفاءات نقابية وسياسية وفكرية ذات خبرة وتجارب متنوعة، ويحتل مكانة هامة في تاريخ الاتحاد العام التونسي الشغل.

ولكن كذلك لا يختلف عاقلان أن هذا القطاع تراجع في أدائه النقابي ولم يقدر على لعب الدور المحوري في الساحة الاجتماعية عموما وفي داخل الاتحاد العام خصوصا ويعود ذلك إلى عديد الأسباب المتداخلة، منها الظروف الموضوعية التي يتحرك فيها القطاع ومنها الذاتية أي ذات الصلة بحالة الوعي داخله.

وإذا كانت الأسباب الموضوعية متعلقة بتأثيرات العولمة والحرب الإيديولوجية التي أثرت في معنويات منخرطيه والهرسلة والقمع والتهميش الذي نظمته السلطة الفاشية وقطعت في ذلك أشواطا منذ ما يزيد عن 15 سنة، فإن الأسباب الذاتية الخاصة بالقطاع – والتي هي موضوع مقالنا بالتحديد- تتعلق بنوعية نخبه وهياكله النقابية وإطاراته.

فهذه النخب المنتمية للبرجوازية الصغيرة بحكم موقعها الطبقي واقعة تحت تأثيرات التحولات الاجتماعية والاستقطاب الطبقي، برجوازية/طبقة عاملة.

إنها تعيش عدم الاستقرار الطبقي الذي تتجاذبه الحوافر المالية بالنسبة للبعض (قروض بنكية، دروس خصوصية، مشاريع صغرى محدودة..) ويدمره اقتصاد السوق والالتهاب الجنوني للأسعار وتدهور المقدرة الشرائية بالنسبة للأغلبية الساحقة من هذه الشرائح. وعدم الاستقرار هذا ينجر عنه عدم استقرار فكري وتحولات على مستوى البنية الذهنية للمربين، فتهتز المعنويات وتفقد الثقة بالنضال وتراجع الثوابت، خصوصا وأن أعدادا غفيرة من منخرطي القطاع تصدرت أو عايشت أو واكبت ملاحم بطولية في سنوات مجد الحركة الطلابية ثم انخرطت بحماسة في الاتحاد العام التونسي للشغل ودشنت مسيرتها بسلسلة إضرابات بداية الثمانينات التي ميزت قوة القطاع واليوم تنظر بنوع من الحسرة "لأيام العز". هذ وجه من أوجه التحولات الاجتماعية والفكرية لهذه الشرائح الأستاذية. أما الوجه النقابي للمسألة فإن عديد الملاحظين يتفقون على أن القطاع أصبح يمر بأزمة فعلية تتعمق باستمرار. إذ لم يعد القطاع ذلك القطاع المكافح الموحد والمشع وبدأ الإضراب يفقد شيئا فشيئا القه الوهاج وتراجعت نسب المشاركة فيه بصورة تدريجية . كما تراجع الدور الدعائي والتثقيفي في علاقة بالتلاميذ وحدت البرامج الجديدة كثيرا من الإمكانيات التوعوية.

هذه الأزمة ليست ناجمة عن دور السلطة فقط ولكنها ناجمة أيضا عن طبيعة القيادات النقابية ونوعية الإطارات التي أفرزها الواقع المتأزم بدوره.

إن دور الأطر النقابية هو الوعي بخطورة هذه التحولات وتمثل الصعوبات والعراقيل ومن ثم العمل على مواجهتها ودرء المخاطر التي تلحقها بالمدرسين. إذ أن قيادة قطاع مثقف ومسيس ومتنوع التوجهات ليست هينة وتفرض وعيا راقيا وحسا رهيفا وتأصيلا في الديمقراطية وقناعة راسخة في حق الاختلاف كما تفترض ابتكارا ونوعية القاعدة الأستاذية المتجددة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تتطلب قيادة هذا القطاع برنامجا نقابيا قطاعيا وخطة نضالية تربط من جديد مع تاريخ العمل النقابي القاعدي والاجتماع الدوري والإجباري للنقابات الأساسية والقطع مع العقلية الشرعوية التي خفضت من أداء القطاع.

إن مسؤولية النقابة العامة والهيئة الإدارية القطاعية كبيرة في هذا المضمار إذ أن قيادة تروم النهوض بقطاعها وتسعى لاسترجاع جماهيريته مدعوة اليوم إلى القطع مع كل المعوقات والعراقيل وخصوصا البيروقراطية النقابية بكل وضوح وبدون مواربة. فرهن قرار الإضراب أو الحصول على هيئة إدارية بموافقة المكتب النفيذي أو التفاوض باسم القطاع أو التقاء تحت رحمة المكاتب التنفيذية الجهوية، كلها أشياء كبلت القطاع وعرقلت تطوره وحدت من سقف نضاليته فحري بالهياكل القيادية المسيرة للقطاع أن تناضل ضد سياسة السلطة بنفس الحزم والمبدئية التي تناضل بها ضد البيروقراطية النقابية. أما إذا اقترن التفاوض الفوقي المهزوز مع السكوت المتبادل من جانب النقابة العامة وقيادة الاتحاد عن خصم أيام الإضرابات (القانونية) وعدم الرد الفعلي على ذلك الاعتداء فإن أشياء كثيرة تخطر بالبال أقلها إنتاج بيروقراطية جديدة تأخذ المشعل عن البيروقراطية الكلاسيكية المهترئة.

إن الأساتذة لا يتخلفون عن إضرابات مهنية واضحة ناجحة ومعبأة ومحمية، وتخوفهم من خذلان المكتب التنفيذي وشكوكهم في مناورة هياكلهم النقابية بمطالبهم أحيانا هو الذي يكون عادة وراء فتورهم النضالي وترددهم وتراجع مشاركتهم في الإضرابات. وما مسألة التوقيت الحالي لإضراب 19 افريل إلا مسألة مغلوطة لأن القضية في درجة التعبئة السابقة واللاحقة وليست في التوقيت في حد ذاته. إن الأساتذة وهم واقعون تحت الضغط المادي والمعنوي القوي مستعدون للإضراب حتى في شهر ماي وجوان وأكتوبر لو رسمت لهم قيادتهم النقابية خطة نضالية تصاعدية وعبأتهم حولها تعبئة فورية شاملة ومنظمة.

إن مطالب الأساتذة المزمنة (القانون الأساسي، خفض سن التقاعد، التعويض عن تدهور المقدرة الشرائية، المنح الخصوصية، البرامج....) كلها مطالب جد مشروعة وهي لا تتطلب إضرابا يتيما بل إضرابات واعتصامات وتجمعات حاشدة وحملات إعلامية وطنية وحتى عالمية على غرار ما يقوم به زملاؤهم في الجزائر والمغرب والأردن وفرنسا وغيرها إلخ...

لكن من أجل إنجاح هذه الأشكال النضالية يجب إتقان فن القيادة وحسن التنظيم وقوة التعبئة أمام عدو مجهز ومنظم ويمتلك كل وسائل الدعاية المضادة، وأمام بيروقراطية نقابية محنكة تجيد فن المناورة والتخريب. فهل يؤسس 19 أفريل لمسار نضالي جديد يقطع مع العفوية؟ وهل تلتزم النقابة العامة ببيانها الانتخابي في المؤتمر الفارط الذي تعهدت فيه بـ"العمل على تصور وصياغة خطة نضالية تصاعدية" و"حسم مسألة التخفيض في سن التقاعد خلال الفترة النيابية" الحالية؟ وهل تنجح النقابة العامة الحالية في ما فشلت فيه سابقاتها بعلاقة بوحدةالقطاع وضرب العقلية الفئوية وتعميق خط الفصل مع البيروقراطية أم أن الاستقطابات الفوقية واستمرارية المسارات الفوضوية هي التي ستتواصل تحت يافطات جديدة مغلفة بالنقاوة والقشرة الراديكالية بينما الجوهر تهادني وصولي يقدس المواقع؟

إننا إذ ننجز هذا الإضراب بكل مبدئية وتماسك بعيدا عن الحسابات والرهانات نمد أيدينا لكل القوى والأفراد الصادقين من أجل حد أدنى نقابي مشترك قوامه التصدي لبرامج السلطة الاستبدادية العميلة وأدواتها البيروقراطية النقابية، وكلنا أمل أن توضع مصلحة القطاع فوق كل اعتبار ويؤسس هذا الإضراب لمسار نضالي جديد ضمن خطة نقابية واعدة.

فلتتكتل كل الجهود ولننطلق من نجاح الإضراب لننجح كل التحركات القادمة ولنعيد الاعتبار لمهنة التدريس ودور النقابة الديمقراطية المناضلة ولنفتح للقطاع آفاقا أرحب ولما لا يقع التفكير الجدي في التنسيق بين كل قطاعات التعليم؟

أستاذ نقابي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني