الصفحة الأساسية > بديل الشباب > من أجل توحيد الاتحاد العام لطلبة تونس
من أجل توحيد الاتحاد العام لطلبة تونس
أيار (مايو) 2007

يعيش الاتحاد العام لطلبة تونس منذ سنوات عديدة أزمة حادة وشاملة من مظاهرها انحسار تمثيليته وإشعاعه في صفوف الطلبة وغيابه عن معالجة مشاكلهم وتعطل حياته الداخلية تجلت في السنوات الأخيرة في انقسامه إلى منظمتين.

وبطبيعة الحال عكست الازدواجية التنظيمية الخلافات في الرؤى السياسية والنقابية المؤثرة إلى هذا الحد أو ذاك داخل الحركة الطلابية منذ منتصف عشرية التسعينات المنصرمة. لكن ولئن هدأت نسبيا اليوم الصراعات من أجل الاستفراد بالشرعية وظهور علامات كثيرة على شعور موحّد ومشترك بالحاجة إلى الخروج من وضعية الانقسام والازدواجية، فإن الأزمة التي يعيشها الاتحاد ما تزال على حدتها.

وفي ظل ذلك ساءت أوضاع الجامعة وتدهورت على جميع الأصعدة. فمن الناحية المادية أصبح السكن الجامعي ميدان سمسرة ومضاربة وقطاعا من قطاعات الاستثمار والبحث عن الربح وتدهورت ظروف الأكل في المطاعم الجامعية التي لا تغطي إلا نزرا قليلا من الطلبة وصارت المنحة والقرض امتيازا لا يمكن التمتع به إلا بواسطة الأساليب المعروفة والمستشرية في جميع مظاهر الحياة الأخرى (الرشوة، الأكتاف) بل وصارت ظروف الدراسة نفسها صعبة وصعبة للغاية أحيانا (مثال طلبة الحقوق والعلوم الاقتصادية بتونس هذه السنة. أما البرامج التعليمية فهي تعاني من تعدد الشعب وتحويل التعليم العالي إلى نوع من التدريب المهني الخالي من كل مضمون وتأهيل علمي وفكري خاضعا لحاجيات السوق وانسداد آفاق التشغيل علاوة على التحويرات المتواترة وفق إملاءات مشاريع تمويلية أجنبية حولت التعليم العالي إلى مادة مخبرية للتجريب مع ما يمارس من تهميش لعدد الشعب الأكاديمية وتتفيه لبعض فروع العلوم كما جاء بذلك برنامج "إمد" الذي فرض من جانب واحد ودون تشريك أسرة وأطراف العملية التربوية (طلبة، أساتذة).

إن أزمة الاتحاد وغيابه عن الاعتناء بمثل هذه المشاكل والجوانب من الحياة الطلابية فتح الباب على مصراعيه للسلطة وإدارتها للتصرف بحرية وتمرير قراراتها ومشاريعها على حساب الطلبة دون أن يكون لهؤلاء الإطار والأداة التي تتولى التعبير عن رأيهم وتنظيم نضالهم.

لقد تحول الاتحاد إلى منظمة تعيش على صدى مشاكلها الداخلية وتصدعاتها وصراعات مكوناتها. واليوم وقد بلغت الوضعية ما بلغته من خطورة بات من الضروري الوقوف وقفة تأمل لمراجعة الخيارات التي سار عليها الاتحاد والتي أدت أو على الأقل ساهمت في مثل هذا المآل المضرّ بجماهير الطلبة.

وإذا كانت كل الأطراف مطالبة بهذه الوقفة فإن مسؤولية الذين يمسكون بناصية القيادة في المنظمة أكبر وأخطر إذ يعود لها تحمّل مسؤولية رسم وإنجاز مبادرة جزئية وجدية بعيدا عن الاعتبارات الذاتية من أجل فتح الباب لكل الأطراف الطلابية للتفكير جماعيا والعمل سويا من أجل وضع صيغة لتوحيد الاتحاد.

والحقيقة اليوم أن لا اتحاد المؤتمر 24 ولا اتحاد التصحيح أقام الدليل أو هو قادر على قيادة الحركة الطلابية بفاعلية ونجاعة لمواجهة المآسي التي يتخبط فيها الطلبة. والواجب النضالي يقتضي من هذا وذاك القبول بالآخر في إطار التفاعل المسؤول من أجل وضع الصيغة التوحيدية.

إن ضغائن الماضي لم تخلّف غير تلاشي المنظمة الطلابية العريقة، وكل مناضل نزيه وحريص على هذه المنظمة من واجبه أن يكون مستعدا لتجاوز تلك الضغائن ليس من باب محو أخطاء الأمس بجرة قلم ولا بتناسي مسؤولية هذا وذاك ولكن من باب تسخير الجهود لما هو أهم وأولى ريثما تحين ساعة التقييم والنقد ورسم خطط التجاوز وخيارات المستقبل.

ولكي يكون لهذه الإرادة الصدى العملي لا بد من الانطلاق من أرضية حد أدنى ديمقراطي تضمن إطارا للتفاعل الإيجابي وتحفـّز كل مناضلي الاتحاد على المساهمة في إعادة بناء المنظمة كل من موقعه وحسب جهده وطاقته وفي إطار صراع مواقف ومشاريع نضالية.

والمقصود بأرضية حد أدنى ديمقراطي هو وضع أسس ومبادئ نقابية عامة وعملية لإحاطة عملية تجديد الهياكل القاعدية في الأجزاء الجامعية بشكل لا يرى أي طرف من الأطراف النقابية الطلابية أنه مقصيّ منها أو أن مشاكله لا تعدو أن تكون عملية ديكورية لتزيين استمرار هيمنة طرف من الأطراف على المنظمة وفق حسابات سياسية أو نقابية لا تمت للطلبة وللاتحاد بصلة.

والمقصود أيضا أن تتضمن هذه الأرضية الاعتراف بأحقية مشاركة كل مناضلي الاتحاد أفرادا وتيارات ومنظمات إن جاز التعبير (الـ24 والتصحيح) دون وصاية أي منهم بصورة مسبقة على مسار التوحيد. وينبغي الاحتكام إلى معايير وضوابط موضوعية وموضوعة بصورة جماعية في إطار تفاهمي واع لتأطير عملية إنجاز الانتخابات القاعدية. ومن الطبيعي أن ترعى هذه الضوابط عملية تسيير العملية الانتخابية من أول حيثياتها إلى آخر نتائجها حتى انعقاد المؤتمر بما يعني الانخراطات وتوزيعها وضبط النواب وفق مقاييس موضوعية تراعي التمثيلية العددية والنوعية لمراكز الجامعة المؤثرة في الحياة النقابية والطلابية عامة.
إن إشراك أكبر عدد من الطلبة في الانخراطات والترشح والانتخاب من شأنه أن يضفي على عملية إعادة بناء الاتحاد طابعا نضاليا تحتاجه الجامعة اليوم من أجل تمهيد الطريق لعودة الاتحاد لا فقط موحدا بل ومناضلا وديمقراطيا . ومن مصلحة كل التيارات (وحتى الجامعة نفسها) أن تكون العملية الانتخابية جماهيرية ليكون الاتحاد ممثلا فعليا للطلبة، وليكون السبيل لمعالجة مشاكلهم ومطالبهم ولتمثيلهم في منابر التمثيل في الجامعة سهلا وممكنا.

وكلما تقدمت عملية إعادة البناء في هذا الإطار كانت عملية الإعداد لمؤتمر التوحيد ذات مغزى وجدوى وحينها جاز لهذا الجيل من الطلاب أن يفخروا بإعادة وضع الاتحاد العام لطلبة تونس الذي ضحت من أجله أجيال وأجيال في المدار الصحيح. ونعتقد أن المؤشرات المتوفرة الآن في الساحة ابتداء من القائمات الموحدة في انتخاب المجالس العلمية مرورا ببعث اللجنة الوطنية وصولا إلى المشاورات الجارية الآن بارقة أمل في إنجاز ما عجزت عنه الحركة منذ حوالي عشرية كاملة. فليبق الأمل حيا ولينمو ويكبر بالقدر الذي يحق له أن يدركه.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني