الصفحة الأساسية > البديل الوطني > المظيلة: المثال الآخر
المظيلة: المثال الآخر
23 كانون الأول (ديسمبر) 2003

انت "صوت الشعب" الصادرة بتاريخ 10 أكتوبر 2003 تعرضت في مقال تحت عنوان "النضال نضال الجماعي هو الحل" إلى ارتفاع نسبة البطالة بجهة قفصة وبلوغها حدا لا يطاق. وألمحت إلى بوادر عدة، متفرقة لبداية تبلور تيار نضالي شبابي وعمالي ضد آفة البطالة. وكالعادة حمل الواقع الملموس تأكيدا لا يقبل الجدال حول صواب وجهة النظر تلك. ومرة أخرى كان "المثال" من مدينة المظيلة التي عرفت في العامين الماضيين سلسلة تحركات شعبية من أجل حق الشغل.

وبالرغم من تعدد مظاهر الاحتجاج وبلوغها أحيانا وعلى الأخص المرة الأخيرة مستوى الحدث الشعبي في المدينة بالجهة عموما فقد لازمت كعادتها مختلف وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة الصمت!

واعتبارا لأهمية الأحداث المذكورة سواء من زاوية دحض ما تردده سلطة 7 نوفمبر الدكتاتورية حول "الانخراط الطوعي في المشروع النوفمبري…" والهدوء المزعوم أو من زاوية المسك الجيد بمتطلبات الصراع الطبقي والاستيعاب المعمق لاتجاهات العودة بالدرس والتحليل لهذه الأحداث.

I – المظيلة: المدينة المنكوبة

تقع هذه المدينة تقريبا في اتجاه الغرب عن مركز الولاية_قفصة. لايستغرق الوصول إليها سوى حوالي 20 دقيقة. أقيمت مثل نظيراتها في الحوض المنجمي حول مقاطع الفسفاط منذ الاحتلال الفرنسي. خلال العقود الماضية عرفت بطبيعة الحال نموا ديمغرافيا هاما رافقه توسع عمراني فوضوي مما جعلها أقرب إلى القرى والريف عامة.

مثلما أقامها المستعمر حول "الداموس" وحصر مورد العيش فيها من هناك. واصل النظام البورقيبي على نفس الوتيرة ولم تعرف هذه المنطقة، رغم تضاعف أعداد سكانها مرات ومرات، أي محاولات جدية من قبل السلطة لتنويع النسيج الاقتصادي. ولعل الإنجاز الوحيد الذي تم خلال حكم بورقيبة تمثل في إقامة "المركب الكيمياوي" الذي وإن تمكن من استيعاب بعض المئات من طالبي الشغل فإنه مثّل ولا يزال كارثة حقيقية على المواطنين. ذلك أن التلوث البيئي اتخذ أبعادا جديدة بما ينفثه المعمل المذكور من سموم “Souffre” أضرت ولازالت ليس فقط بصحة السكان وإنما بكل ما هو حي من نبات وحيوان. ومنذ منتصف الثمانينات بدأ التوسع العمراني في التراجع الحاد، وأضحت مدينة المظيلة تفقد سكانها الفارين من انحصار مواطن الشغل وانتشار مختلف أنواع أمراض السرطان.

المظيلة، على لسان أهلها ومن يعرفها جيدا مدينة للعمل إن وُجد، أما العيش فيها فهو أمر لا يطاق. وعلى هذه الشاكلة هي اليوم في عهد بن علي.

II – لمحة عن الأحداث الأخيرة:

منذ صبيحة 11 أكتوبر، وبعد شيوع خبر حجز أوراق أحد سائقي الجرارات الخاصة من قبل أعوان البوليس، بدأ بعض المواطنين وخصوصا الشبان منهم في التجمع بالطريق العام الرئيسي. وبعد نقاشات ومشاورات أقر الغاضبون غلق الطريق أمام كل الشاحنات والسيارات وفي جميع الاتجاهات. وبطبيعة الحال فإن الغلق المذكور يستهدف بالأساس كل ما له صلة بالمنجم. وبسرعة قياسية وعلى قاعدة تجاربهم السابقة من جهة وتدهور أوضاعهم الاجتماعية من جهة أخرى، التحقت أعداد هامة من شبان المنطقة بالمحتجين وبدأت الدروع البشرية تتشكل حول المداخل الأساسية والطرقات الفرعية الموصلة لأماكن استخراج الفسفاط وبذلك تم شل الحركة نهائيا وتوقفت كل الأنشطة. فلم يعد بإمكان عمال المناجم الالتحاق بمراكز عملهم ولا الشاحنات بنقل الفسفاط.

وتواصل وضع الشلل حتى يوم 17 من نفس الشهر بالرغم من تعدد الضغوط المسلطة على بعض نشطاء الحركة الاحتجاجية. ومن الملفـت للانتباه أن جميع محاولات السلطة السياسية (والي، معتمد، شُعَب…) وكذلك أجهزة البوليس لم تقدر على تهدئة الأوضاع وإعادة الأمور إلى نصابها. على النقيض من ذلك فكل يوم يمر كان يدفع بأعداد غفيرة من المواطنين ومن الجنسين أيضا لدعم هذه الحركة التي فاقت سابقاتها من حيث التنظيم وخصوصا الإصرار على اقتلاع مواطن شغل جديدة لآلاف العاطلين.

III – حق الشغل مقدس والنضال شرعي

تكرر العمل الاحتجاجي وعلى نفس الشاكلة تقريبا بالمظيلة أكثر من 10 مرات خلال 3 سنوات الماضية. ومع كل أحداث يقع إعادة الأمور إلى نصابها بتشغيل أعداد قليلة من شبان الجهة ضمن توازنات قبلية (عكارمة، أولاد يحيى…). والجديد في هذه المرة بالنظر إلى طول مدة التحرك واتخاذه بعدا شعبيا أكثر من سابقيه وخوفا من امكانية انتقال "العدوى" إلى الجهات والمناطق الأخرى، أصرت السلطة السياسية بالجهة ونظريتها الأمنية بإعانة خدمها في الحقلين النقابي والسياسي على اتخاذ إجراءات زجرية ضد بعض المحتجين وهو ما تم فعلا من خلال إيقاف مجموعة من الشبان وإحالتهم على أنظار المحكمة الابتدائية بقفصة في حالة إيقاف طبعا. ومثلما كان منتظرا أصدرت المحكمة المذكورة أحكاما بالسجن ضد 6 شبان تراوحت بين 3 و 6 أشهر.

إننا في حزب العمال ندين مثل هذه المحاكمة خصوصا أن المحالين أنكروا كل التهم الموجهة إليهم. والأهم من ذلك أننا نعتبر السلطة مسؤولة وحدها على تفشي ظاهرة البطالة بالمظيلة وغيرها من مناطق بلادنا. ونقر في نفس الوقت بحق كل المواطنين نساء ورجالا في الدفاع عن الشغل والحياة الكريمة فلا تجريم للنضال الاجتماعي. كما أننا في حزب العمال ندعو إلى إطلاق سراح الشبان الموقوفين ومحاكمة المسؤولين الحقيقيين عن وضع البطالة والبؤس الذي يطال شرائح واسعة من أبناء وبنات شعبنا.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني