الصفحة الأساسية > البديل الوطني > النتائج الحقيقية للـ"قمة 5+5" : بين النوايا المضمرة والتصريحات المعلنة
النتائج الحقيقية للـ"قمة 5+5" : بين النوايا المضمرة والتصريحات المعلنة
23 كانون الأول (ديسمبر) 2003

احتضنت تونس يومي 5 و 6 ديسمبر 2003 القمة الأولى 5+5 حضرها إلى جانب رئيس البلد المضيف زين العابدين بن علي رؤساء كل من ليبيا والجزائر وملك المغرب والوزير الأول الموريطاني عن بلدان الإتحاد المغاربي من جهة والرئيس الفرنسي والوزراء الأولون لكل من مالطا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال عن الجانب الأوروبي. ويعتبر انعقاد هذه القمة إحياء لمسار برشلونة المنبثق عن قمة برشلونة سنة 1995 والذي ظل متعطّلا لما يزيد عن ثمان سنوات تقريبا. كما يندرج هذا الاجتماع الإقليمي الهام ضمن عودة الصراع بين الإتحاد الأوروبي من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية على استقطاب منطقة المغرب العربي ومجمل منطقة الشرق الأوسط لضمها كل في استراتيجيته الخاصة بعد التطورات التي شهدتها هذه المنطقة إبان اندلاع ما يسمّى "بالحرب على الإرهاب" واحتلال العراق واستمرار محاولات تسوية ملف الصراع العربي الصهيوني.

وشهدت تونس قبيل انعقاد هذه القمة مقدم وزير الخارجية الأمريكي كولن باول لسويعات مساء يوم الثلاثاء 2 ديسمبر ثم تبعه الرئيس الفرنسي جاك شيراك في زيارة رسمية ليومي 3 و 4 من نفس الشهر. وتدل هذه الحركية الدبلوماسية المكثفة على الأهمية التي توليها كلا القطبين للمنطقة وعلى مدى الصراع الدائر بينهما حول المنطقة.

فالرئيس الفرنسي بزيارته لتونس استكمل جولته في أهم البلدان المغربية حيث سبق وأن أدى زيارة مماثلة لكل من المغرب والجزائر في سعي منه لكي تستعيد فرنسا في ظل رئاسته موقعها المتميز والتقليدي مع هذه البلدان على الصعيد السياسي والدبلوماسي والاقتصادي. وتستغل فرنسا موقفها المتحفظ على الغزو الأمريكي للعراق واستمرارها في التمسك بالتعامل مع الرئيس الفلسطيني عرفات المحاصر من قبل الكيان الصهيوني بتعليمات وبتزكية أمريكية لتسوّق للشعوب المغاربية صداقتها المزعومة. وقد تجلى ذلك بالخصوص أثناء زيارة شيراك للجزائر في وقت سابق حيث قوبل، في أوج الحملة العسكرية الأمريكية على العراق، بترحاب شعبي كبير.

غير أن الأهداف الحقيقية من هذه الزيارة وكذلك من قمة 5+5 هي كما سبق قوله مزيد تركيز النفوذ الفرنسي ومن وراء ذلك النفوذ الأوروبي في المغرب العربي والحيلولة دون التسرب الأمريكي لها أو على الأقل الحد من أهميته ومن آثاره. فعلاوة على العلاقات الفرنسية المغاربية التقليدية والموروثة عن حقبة الاستعمار المباشر توصلت أوروبا إلى عقد اتفاقي شراكة مع تونس ومع المغرب الأقصى وهي في مرحلة متقدمة من التفاوض مع الجزائر في ذات الاتجاه لإقامة منطقة تبادل حر مع الضفة الجنوبية للبحر المتوسط. مع العلم وأن المفاوضات جارية بالتوازي مع مصر ولبنان وسورية والأردن لنفس الغرض بعد أن دخلت اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية منذ سنة 2000 حيز التطبيق. فالهدف الإستراتيجي الأوروبي تجاه المنطقة هو إذن ضمها للفضاء الحيوي للاتحاد الأوروبي الذي توسع ليشمل 25 دولة قريبا. وهكذا يتسنى لها بعث قطب اقتصادي يضاهي الولايات المتحدة الأمريكية قوة اقتصادية في مرحلة أولى ثم سياسية وعسكرية لاحقا بما أن التفكير جاري الآن بخصوص تشكيل قوة تدخل أوروبية في كامل البحر المتوسط. وفرنسا التي تريد أن تتمتع بالريادة داخل الاتحاد الأوروبي تتولى الآن لعب الدور الأمامي في ضم المنطقة تحت تغطيات ويافطات متنوعة.

وفي المقابل تبدو الولايات المتحدة الأمريكية واعية تمام الوعي بالمرامي والمخططات الأوروبية لذلك كثفت منذ مدة من اهتمامها بمنطقة شمال إفريقيا سواء بصفتها كجزء من المنطقة العربية ككل أو كتجمع إقليمي مستقل بذاته. ومن المعروف أن واشنطن كانت أعلنت منذ السنة الماضية عن برنامجها القاضي ببعث منطقة تبادل حر في الشرق الأوسط ومجمل المنطقة العربية ( مبادرة كولن باول بتاريخ 12/12/2002 ) كما أعلنت منذ سنوات قليلة اعتزامها بعث منطقة تبادل حر مع بلدان المغرب العربي وشرعت في بعض الترتيبات الخاصة بها. غير أن أولوياتها في مناطق أخرى من العالم ( أفغانستان والعراق وفلسطين ...) جعلتها منشغلة نسبيا عن تنفيذ هذه المخططات بالعجلة اللازمة. لكن ذلك لا يعني البتة أنها غير مكترثة بالتحركات الأوروبية تجاه المنطقة لذلك سارع باول بزيارة تونس ليلة مجيء شيراك وانعقاد القمة 5+5.

وعلى خلاف شيراك الذي بدأ في تصريحاته متواطئا مع النظام التونسي بخصوص قضايا حقوق الإنسان مثلا فقد كان باول واضحا ولم يخف أنه جاء ليبلغ التعليمات الأمريكية بخصوص مسائل الأمن أي "الحرب على الإرهاب" و"الديمقراطية" ومشاغل أمريكا الأخرى في المنطقة أي العراق وفلسطين. ومن الواضح أن باول جاء ليحدد لقادة تونس والجزائر والمغرب الذين زارهم تباعا في بحر ثلاثة أيام الخطوط الحمر الواجب التقيد بها وهي : مزيد الانخراط في الحرب على الإرهاب والاستمرار في التعاون مع واشنطن في ذلك أولا وعدم الالتزام مع أوروبا في مشروع تحويل شمال إفريقيا تحت مظلة الحماية الأمنية الأوروبية عبر قوة التدخل السريع المزمع إنشاؤها أوروبيا ثانيا وتزكية مشاريع التسوية الأمريكية للملف الفلسطيني وربما أيضا العودة للتطبيع مع الكيان الصهيوني ثالثا والاستعداد لإدخال تحويرات " ديمقراطية " في نظم الحكم في إطار مخطط إحلال الديمقراطية في الوطن العربي والتذكير بمشروع إنشاء منطقة تبادل حر أمريكية مغاربية أخيرا.

ومما لا شك فيه أن هذا الصراع خيّم بضلاله على قمة 5+5 وأثّر في نتائجها بهذا الحد أو ذاك.

والمتمعن في الإعلان الختامي للقمة "إعلان تونس" يلاحظ أن هذه القمة انتهت على فشل واضح. فمن حيث تطلعات شعوب فإن القمة رسّخت مجددا الحواجز المضروبة على حرية تنقل الأفراد في ما يسمّى بتشديد التضييق على الهجرة السرية. ويروج أنها أقرت منح وزارات الداخلية في كل من تونس والجزائر والمغرب قروضا جديدة لتقوية أجهزة مراقبة الحدود ضد الهجرة فضلا على مزيد تدعيم التعاون بين أجهزة الاستخبارات لمراقبة "الأنشطة والمجموعات الإرهابية" والجريمة المنظمة...

وفي ما عدا ذلك اكتفى المجتمعون بالتنويه "بأهمية ما يجمع بلدان الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط من إرث تاريخي وحضاري مشترك ومن تطلعات إلى مزيد من السلم والاستقرار والازدهار" ولم يحتو البيان الختامي فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي إلا على مجموعة من المبادئ العامة من ضمنها الاتفاق على "أهمية ترافق مسار توسيع الاتحاد الاوروبي مع مجهود أوروبي مواز لدعم الضفة الجنوبية للحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط". ولم تثمر القمة في هذا الصدد غير قرار "إحداث المؤسسة الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات والحضارات". لكن وفي المقابل فشلت المساعي الجارية في كواليس القمة بمبادرة تونسية لتقريب وجهات النظر بين فرنسا وليبيا حيث فشل بن على في تليين موقف العقيد القذافي الذي امتنع عن التدخل في الحصة الافتتاحية للقمة بخصوص القبول بالمطالب الفرنسية الخاصة بالتعويض لضحايا تفجير الطائرة الفرنسية. ويعزى ذلك حسب المراقبين إلى عدم اكتراث القذافي بالضغوط الفرنسية طالما أنه توصل إلى قطع خطوات مهمة في إعادة الروح لعلاقاته مع واشنطن وبريطانيا.

أما بخصوص المبادرة الفرنسية لتقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب حول ملف الصحراء الغربية فلم تكن النتائج بأفضل حال وبات واضحا أن حل هذه القضية موكول للتدخل الأمريكي فحسب وهو ما يعني أيضا فشل الدبلوماسية الفرنسية مرة أخرى في إحدى القضايا الحساسة للمنطقة. إذن يمكن القول أن قمة 5+5 لم تحقق غير تدعيم المساعي الأمنية بين ضفتي المتوسط بما يستجيب لمشاغل أوروبا في الأساس واتضح من خلالها أن دعاوي بناء التعاون بين أوروبا والمغرب العربي على أساس احترام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ليس غير كلام. وتصريحات شيراك المهزلة خير دليل على ذلك.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني