الصفحة الأساسية > البديل الوطني > تدخل الرّفيق عبد المُومن بلعانس
في ندوة "مستقبل الجمهورية واستحقاقات المرحلة":
تدخل الرّفيق عبد المُومن بلعانس
آب (أغسطس) 2010

تحية للحزب الديمقراطي التقدمي الذي نظم هذه الندوة [1] ودعانا للحضور والتعبير عن رأينا، تحية لكل الحاضرين.

أحيي خاصة التوجه النضالي الذي ما انفك يتسم به الحزب الديمقراطي التقدمي من يوم إلى آخر، وأحيي التوجه النضالي السائد في هذه الندوة والذي تجسد كذلك في تدخل المناضل العياشي الهمامي. إن التوجه النضالي مسألة هامة للغاية. والمسالة الثانية والتي لا تقل أهمية هي هذه النزعة التوحيدية والتأكيد على ضرورة العمل المشترك بين مختلف فصائل المعارضة الديمقراطية الحقيقية من أجل الإطاحة بالاستبداد وعدم الكلل في هذا التوجه الذي يجب أن نحافظ عليه مهما اعترضتنا من صعوبات. وأريد أن أؤكد أن العديد من النواقص وردود الفعل المتشنجة والطفولية والذاتيات مازالت تعوق العمل المشترك وتفرّق بيننا في عديد من الأحيان.

وحسب تقديري إذا حددنا التناقض الرئيسي والعدو الرئيسي المتمثل في الدكتاتورية القائمة، فإننا نحدد أصدقاءنا ومع من نستطيع أن نعمل لنكون فاعلين في الساحة من أجل الوصول إلى الهدف الذي طرحناه على أنفسنا. لا يجب أن نزايد على بعضنا، القضايا الخلافية بيننا كلكم يعرفها، فلا أحد لا يعرف الفرق بين الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب العمال الشيوعي التونسي وكافة الفروقات بين مختلف مكونات الحركة الديمقراطية. كما أن الجميع يعرف القواسم المشتركة التي يجب أن نمد أيدينا لنعمل على قاعدتها معا، فما هو متفق عليه اليوم هو: تغيير ديمقراطي حقيقي يمر عبر انتخابات ديمقراطية تتوفر فيها شروط دنيا على رأسها الحق في الترشح والحرية في الدعاية والإشراف المستقل.

دون مزايدة هناك ممن يرى إصلاحا وهناك من يرى ثورة، هناك من يرى أن التغيير يجب أن يكون سلميا وهناك من يرى أن ذلك غير ممكن. وحسب رأيي فقضية سلمي وغير سلمي ليست مرتبطة بنا نحن بل مرتبطة بالدكتاتورية القائمة والكيفية التي تواجه بها الشعب والحركة الديمقراطية، فهي عندما ترفع السلاح وتواجه الجماهير، كما حصل في الحوض المنجمي، لا يجب علينا أن نكبل أيدي المنتفضين ونقول لهم لا تردوا الفعل لأن حركتكم يجب أن تكون سلمية. هذه المسالة نحن لا نتحكم فيها بقدر ما يتحكم فيها ميزان القوى وسلوك السلطة وكيفية مواجهتها للتحركات الشعبية. إن ما يجب أن نتفق عليه اليوم ليس مسألة سلمي أو غير سلمي إنما ديمقراطي أو غير ديمقراطي، لأن بن علي تسلم السلطة عن طريق انقلاب سلمي. ما يجب أن نتفق عليه هو هل أن التغيير سيكون ديمقراطيا حقيقيا أو غير ديمقراطي حقيقي، والانتخابات هل هي انتخابات ديمقراطية حقيقية أم انتخابات مزيفة كالتي ما انفكت تمارس منذ 1956. لا أتصور أن هناك من منا مازال مستعدا للمشاركة في انتخابات زور على شاكلة الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة. هذا ما يجب أن نتفق عليه اليوم.

مسألة أخرى نتفق عليها اليوم هي النضال من أجل الحريات العامة والفردية كحرية التعبير وحرية الإعلام وحرية التنظم وحرية الصحافة... وحسب تقديري يجب أن نكون قادرين على التدرج والأخذ بعين الاعتبار لميزان القوى الحالي.
ومسألة التدرج مسألة هامة لأننا نعوّل إلى جانب وحدة المعارضة وتوجهها النضالي على شعبنا. فلا أمريكا ولا فرنسا، لا وزارة الخارجية الأمريكية ولا البرلمان الأوروبي هو الذي سيفرض انتخابات ديمقراطية في تونس، من سيفرض انتخابات ديمقراطية في تونس هو شعبنا. وبالمناسبة أحيي انتفاضة الحوض المنجمي التي أرتنا الطريق في التدرج وكيف من احتجاج على نتائج مناظرة في شركة الفسفاط والمطالبة بحق الشغل انطلقت انتفاضة وتطورت ودامت أشهرا وصنعت المستحيل. هنا أود أن أقول أن ملف الحوض المنجمي قد لا يُغلق، ولا يمكنه أن يُغلق ما دامت مشكلة البطالة قائمة ومستفحلة. فهذه المشكلة على غاية من الأهمية ويجب أن نمد أيدينا لبعضنا لمواجهتها. ونحن نعتبر أنه يمكن تجنيد عشرات الآلاف لإمضاء العرائض وخوض النضالات المختلفة من أجل مطالبهم الخصوصية. وعلى غرار الشباب المعطل عن العمل ما انفك الشباب يناضل ويقدم التضحيات. ونحن نحيي الشباب الطالبي الذي نظم اعتصام منوبة من أجل الحق في السكن والذي مازال البعض منهم يقبع إلى حد الآن في السجون وقد وصلت الأحكام في حقهم إلى حدود 3 سنوات. كما نحيي الطلبة الذين ما انفكوا يتعرضون للمحاكمات في مختلف جهات البلاد من المهدية إلى سوسة إلى القيروان إلى صفاقس إلى قفصة إلى تونس دون أن ننسى الشباب الذي نظم التحركات الأخيرة تحت شعار "سيب صالح" المتعلقة بحجب مواقع في الأنترنيت.

نحن نعتبر أنه بالاعتماد على شبابنا والتدرج في النضال يمكننا تغيير ميزان القوى ومواجهة الدكتاتورية، دون أن ننسى وحدتنا وصمودنا وتوجهنا النضالي وبدون أوهام حول السلطة، فهي ليست رافضة للحوار فحسب، وإنما حتى وإن تظاهرت بقبول مطالبنا لظروف صعبة، كما بين الأستاذ نجيب الشابي في الفترة الأولى لـ7 نوفمبر، فإنها ما إن تتوفر لها الإمكانية وتسترجع أنفاسها حتى تتراجع وتكشر عن أنيابها. نحن وكما يعلم الجميع لا نرى أن هناك إمكانية لديمقراطية حقيقية بالتعاون مع الدكتاتورية القائمة، فالديمقراطية الحقيقية لا تكون إلا على أنقاض الدكتاتورية. لذلك يجب أن ننزع كل الأوهام في هذا المجال. فلا الليونة ولا عدم "التطرف" بقادر على طمأنة الدكتاتورية وجعلها تقبل بالديمقراطية ولا تغيير ميزان القوى قادر على مقرطتها وحملها على القبول الحقيقي بمطالب الحركة الديمقراطية.

هوامش

[1ندوة "مستقبل الجمهورية واستحقاقات المرحلة" نظمها الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 10 جويلية 2010



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني