الصفحة الأساسية > البديل الوطني > لماذا التعجيل بسجن الفاهم بوكدوس؟
لماذا التعجيل بسجن الفاهم بوكدوس؟
آب (أغسطس) 2010

قضت محكمة الاستئناف بقفصة يوم 6 جويلية الفارط بسجن الصحفي المناضل الفاهم بوكدوس غيابيا بأربع سنوات نافذة دون مراعاة لوضعه الصحي المتدهور ودون احترام للقانون حيث سلّم مستشفى فرحات حشاد بسوسة شهادة تثبت تواجده على ذمة العلاج، رغم مطالبة المحامين بتأجيل المحاكمة لضمان حضور "المتهم" وتمكينه من الدفاع عن نفسه.

وقد أوقف الفاهم حال مغادرته المستشفى وأودع السجن دون اعتبار لحالته البدنية والنفسية جراء المرض وإمكانية تعرّضه لأزمات صحية مفاجئة تتطلب في العادة تدخلات سريعة وهو ما لا يتوفر في سجون الدكتاتورية.

وبالنظر للحالة التي عليها السجون التونسية من اكتظاظ وانعدام للتهوئة وعدم توفر العلاج الضروري لمثل حالات الفاهم فإن هذا الأخير معرّض للموت في أيّ لحظة وهو ما صرّح به أطباؤه المباشرون بكامل الوضوح والمسؤولية.

إن السؤال الذي يطرح نفسه إزاء هذه الوضعية هو التالي: لماذا هذا الإصرار والتعجيل بمحاكمة الفاهم ورميه في السجن في مثل الظروف التي تحدثنا عنها أعلاه؟

إن الجواب عن هذا السؤال يتمثل أولا وأساسا في صمود الفاهم خلال الفترة الفاصلة بين الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي حيث عبّر عن موقف مبدئي وجريء في علاقة بملف الحركة الطلابية الذي فتحته جريدة الشعب، وحمّل السلطة مسؤولية الأزمة التي تمر بها المنظمة الطلابية وعبّر عن موقف مبدئي صارم إزاء فرضية عودة الطلبة الدساترة إلى صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس. كما أدلى بتصريحات جريئة لبعض القنوات التلفزية وعبّر عن تمسكه بالكلمة الحرة حتى ولو دفع حياته ثمنا لذلك... إذن لم يساوم وحافظ على تماسكه وعبّر عن قناعاته بوضوح وجرأة.

أما السبب الثاني فيتعلق بملف الحوض المنجمي ككل. فهذا الملف مازال مفتوحا رغم إطلاق سراح نشطاء الحركة.
والسلطة لم تتخذ إجراءات جدية من شأنها حلحلة المشاكل التي كانت سببا في اندلاع الانتفاضة (تفشي البطالة وفي طليعتها بطالة أصحاب الشهائد، انعدام الشفافية في الانتدابات على محدوديتها، عدم تشريك المعارضة الوطنية والاتحاد العام التونسي للشغل في البحث عن حلول جذرية لقضايا التنمية في الحوض المنجمي بما يساعد على استيعاب جيوش العاطلين، عدم استعداد السلطة سياسيا وعمليا للقضاء على الفساد والمحسوبية وسوء التصرف في الجهة باعتبار هذه الظواهر متفشية ويقوم بها مسؤولون كبار ومتنفذون يعتبرون عماد السلطة وحماتها...).

أما السبب الثالث فيتمثل في أن السلطة في هذه الفترة بالذات حيث تمر البلاد بصعوبات اقتصادية واجتماعية جدية وتتصاعد حالة التوتر والاحتقان بسبب الانغلاق والمنع والقمع وهي تتهيأ لإيجاد مخرج مقبول داخليا وخارجيا لمسألة الاستمرار في السلطة (تمديد/توريث) دون إثارة قلاقل، ترفض أيّ شكل من أشكال التنازل ولا تريد حلا لأيّ قضية من القضايا المطروحة. فالمفاوضات حول ملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لم تعمّر طويلا حيث أعطت السلطة أوامرها لفريقها المفاوض بتعطيل المفاوضات والانسحاب منها. وعودة مطرودي الحركة الاحتجاجية بالحوض المنجمي لسالف أعمالهم لم تجد بعد طريقها إلى الحل رغم الوعود التي أطلقتها قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، بل إن بعض رموز هذه الحركة مراقبون باستمرار من طرف البوليس السياسي ويتعرضون للمضايقة والاستفزاز. مازال مسلسل الحصار المفروض على المعارضة الوطنية متواصلا حيث أوقف العدد 555 من جريدة الموقف ومنع الحزب الديمقراطي التقدمي بجهة سوسة من تنظيم تظاهرة مساندة للحوض المنجمي، ومازال الرفيق حمه الهمامي يعيش السرية الاضطرارية وهو مهدد بالسجن بموجب قضية مفبركة. ومازال سجناء الحركة الطلابية يقبعون في زنزاناتهم ومثلهم المسؤول الأول في حركة النهضة ومئات الشباب الذين حوكموا تحت طائلة قانون الإرهاب اللادستوري...

إن وعي المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات ونقابات بهذا الواقع وانخراطهم العملي في النضال من أجل إيجاد حلول لمختلف القضايا هو مفتاح الحل. فالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مطالبة بتنسيق الجهود بين هيئتها المديرة وفروعها للاضطلاع بمسؤولياتها كاملة في الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية ومواكبة الملفات التي تتعلق بنشاطها الطبيعي كمنظمة حقوقية. فالمطروح اليوم هو العودة إلى التقارير الدورية حول واقع حقوق الإنسان في تونس إلى جانب التركيز على القضايا الكبرى (ملف الحوض المنجمي، حرية الإعلام والصحافة، التضييق على الأحزاب والمنظمات، التنكيل بالنشطاء...). والنقابات العمالية مدعوة إلى الخروج عن حيادها السلبي والانخراط أكثر في الدفاع عن الملفات الاجتماعية لمنظوريها وعن الحريات العامة والفردية باعتبار الحركة النقابية تنتعش أكثر في مناخ من الحرية.

والاتحاد العام لطلبة تونس مطالب بتفعيل الحوار والإعداد الجدي لإنجاز مؤتمره الموحد ومواكبة المشاكل المادية والبيداغوجية والمعنوية للطلبة. أما الأحزاب السياسية فمدعوة لتنسيق جهودها وتوسيع انغراسها في صفوف الجماهير الشعبية بتبني مطالبها وتأطيرها من أجل الدفاع عنها.

إن هذه النضالات إذا خيضت بثبات وجدية وتوسعت دائرتها فستحقق انتصارات ولو جزئية وتفرض على الدكتاتورية التراجع. وهي بهذا تساهم في المراكمة من أجل نضال أوسع وأشرس في سبيل التغيير الديمقراطي.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني