الصفحة الأساسية > البديل الوطني > "حوار" لإضاعة الوقت على الرابطة والرابطيين
وجهة نظر:
"حوار" لإضاعة الوقت على الرابطة والرابطيين
آب (أغسطس) 2010

من المضحكات المبكيات أن نرى اليوم "بن يونس" المتجلبب بجلباب "الناشط الحقوقي" الذي استأجرته السلطة، هو وحفنة من الآكلين على جميع الموائد، لاستخدامهم غطاء لشل نشاط الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنعها للعام الخامس على التوالي من عقد مؤتمرها الوطني، يرفع صوته عبر وسائل الإعلام، ليعلن "بكل ثقة في النفس" أنه "يرفض مواصلة الحوار" مع الهيئة المديرة وأن "يشترط عليها" لـ"العودة إلى طاولة المفاوضات" تقديم "عرض جديد وجدي فيه تنازلات حقيقية (له ولـ"الشاكين" أي في الحقيقة للحزب الحاكم) في وثيقة كتابية تبلغ له عبر "الوسيطين" عبد الوهاب الباهي ومنصر الرويسي.

ومن نكد الدنيا أيضا أن يصبح هذان الشخصان اللذين استأجرهما بن علي، الأول على رأس "مرصد" مزعوم للانتخابات ليكون "شاهد الزور رقم 1" في تاريخ تونس، على كافة المهازل الانتخابية التي نظمتها الدكتاتورية خلال العقد ونيف الأخير، والثاني على رأس "هيئة عليا" مزعومة للحريات وحقوق الإنسان، ليكون بدوره "شاهد الزور" على حالة الحريات والحقوق المتردية في البلاد، في تقرير كاذب يرفعه كل سنة لولي نعمته، من نكد الدنيا، كما قلنا، أن يصبحا "وسيطين" "محترمين" من أجل "حل أزمة الرابطة" وهو ما وفر لهما الفرصة لكي "يُشبرشا" (المعذرة عن العامية ولكنها الكلمة الأنسب في هذا المقام) في وسائل الإعلام ويتجرآ على الهيئة المديرة بـ"الهمز" و"اللمز" ويكيلا الثناء لبن يونس ومن لف لفه ممن ستقترن أسماؤهم بالتآمر الخسيس على الرابطة مقابل بعض المنافع والامتيازات الخسيسة أيضا.

أما الهيئة المديرة، صاحبة الحق، المتمسكة باستقلالية المنظمة والمدافعة عنها، فقد وجدت نفسها، بعد أن زجت بنفسها في مفاوضات كاذبة ومخادعة، تعطي الانطباع بأن الأزمة "داخلية" وأن السلطة "طرف محايد" فيها من يسعى إلى "مساعدة الأطراف المتنازعة" على "حل خلافاتهم" عن طريق "الحوار"، في موقع دفاعي، تبحث عن مبررات لتأكيد "صدق نواياها" و"رغبتها الجادة في الحوار" قصد الوصول إلى "حل وفاقي" يمكن من عقد المؤتمر الوطني. والأنكى من ذلك أن شخصا كعبد الوهاب الباهي الذي أكل على طاولة القوميين، ثم انتقل إلى طاولة "الديمقراطيين الاشتراكيين" فطاولة بن علي في الوقت الحالي (نقول في الوقت الحالي، لأنّ طاولة أخرى قد تنتصب في المستقبل فيهرع إليها المعني) لم يتورع في آخر تصريح له عن إظهار الهيئة المديرة للرابطة بمظهر من "يستجدي الحوار" مع أذناب السلطة، وهو، من موقعه "المتعالي"، يطالبها بـ"شيء من الازدراء" بتقديم وثيقة مكتوبة يعرضها على "من يهمهم الأمر" !!

إن كل هذا ما كان ليحصل لو كانت الرابطة وبالخصوص قيادتها على درجة كبيرة من الوحدة والتماسك في مواجهة مناورات السلطة ومؤامراتها. فليس خافيا على أحد أن ما أبدته السلطة في شهر أفريل الماضي من "رغبة"، كاذبة ومخادعة، في "حل أزمة الرابطة"، مما جعلها تحرك بن يونس، باسم "الشاكين" المزعومين، والباهي والرويسي كـ"وسيطين"، إنما أملاه عليها الظرف، وتحديدا اجتماع بروكسيل ليوم 11 ماي الماضي، للنظر في طلب الحكومة في الحصول على "مرتبة الشريك المتقدم" في علاقة بالاتحاد الأوروبي. وبالنظر إلى أن ملف الرابطة يوجد ضمن الملفات المثارة في المفاوضات لأن أحد شروط الحصول على المرتبة المذكورة، هو القيام بـ"إصلاحات" في مجال الحريات والقضاء إلخ... فقد أرادت السلطة أن تتظاهر بأن هذا الملف في طريقه إلى "الحل" !!

ولكن لما فشل اجتماع بروكسيل ولم تحصل الحكومة على مبتغاها، كشرت عن أنيابها وكشفت رياءها وعدم جديتها في معالجة ملف الرابطة. فقد طلبت ممن استأجرتهم في "المفاوضات" أي بن يونس والباهي والرويسي التنكر للاتفاق الذي توصلوا إليه مع الهيئة المديرة أو بالأحرى مع اللجنة التي فوضتها للتحاور مع "الشاكين"، واتهامها بـ"عدم الجدية" وبـ"الرغبة في استمرار الأزمة" لـ"غرض في نفس يعقوب". كما أنها سارعت باستصدار قانون جديد (الفصل 61 من القانون الجزائي) يجرّم حرية التعبير في وسائل الإعلام الأجنبية. وهكذا بقيت الأمور على حالها دون أي تقدم أو تغيير في وضع الرابطة المحاصرة، عدا مرارة في حلق القواعد الرابطية التي كانت تأمل أن لا تتحرك الهيئة المديرة بمعزل عنها وأن تعلمها بكل ما يجري وتشركها في اتخاذ القرارات وتستمد منها القوة في أي مفاوضات مع السلطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. واليوم، وبعد أن حصل ما حصل فإن الفرصة سانحة مرة أخرى لاستخلاص الدروس، خاصة وأن "لجنة المفاوضات" الرابطية، ظلت متمسكة على العموم بثوابت المنظمة، وخاصة باستقلاليتها ورفضت، في "حوارها" مع بن يونس والباهي والرويسي تقديم تنازلات تمس بتلك الثوابت. وهو أمر مهم، يحسب لفائدة "اللجنة" ويجعل الرابطة تواصل صمودها دون تصدعات خطيرة.

إن الدروس التي ينبغي استخلاصها ليست في الحقيقة جديدة. ولكن من المهم تكرارها بلا هوادة إلى أن يستوعبها الجميع في الهيئة المديرة وفي فروع الرابطة وخارجها في الفصائل الأخرى للحركة الديمقراطية ويحولها إلى قاعدة يبني عليها سلوكه ومواقفه. وأولى هذه الدروس يتمثل في أن نظام بن علي بحكم طبيعته الاستبدادية لا مكان لـ"الحوار" كمفهوم في قاموسه. فهو لا يعرف إلا التسلط والغطرسة. وإذا تظاهر بالحوار، خصوصا في الظرف كالظرف الحالي، فلا بد من الحذر، ولا بد من فهم دوافعه تحسبا لكافة مناوراته. ونحن نعتبر أنه كان على الهيئة المديرة مثلا أن تكون أكثر يقظة في "الحوار" مع بن يونس والباهي والرويسي فتشرّك الفروع وتخبرها بكل ما يجري وتحتاط لـ"الانقلابات". لقد طلب الباهي والرويسي مثلا عدم القيام بتصريحات للصحافة، بدعوى ضمان جدوى "الحوار"، ولكنهما كانا أول من تنكر لهذا الاتفاق، حين أمرا بالانقلاب على الاتفاق.

أما الدرس الثاني فهو أن السلطة لا حاجة لها برابطة مستقلة، ومن ثمة فهي لا حاجة حقيقية لها بعودة الرابطة إلى نشاطها العادي، بل إن كل مصلحتها في تواصل الوضع الحالي، خاصة في مثل الظرف الحالي المتسم بانغلاق سياسي تام وهجمة قمعية على "كل من هبّ ودب". وليس ما نقوله خاصا بالرابطة فحسب، لأن السلطة لا حاجة لها بشكل عام بوجود أي منظمة أو جمعية مستقلة. فقد انقلبت على النقابة الوطنية للصحافيين، وقبلها على جمعية القضاة، وهي تمنع اتحاد الطلبة من عقد مؤتمره الوطني وتضربللنساء الديمقراطيات. أما الجمعيات غير المعترف بها فمناضلوها عرضة يوميا للاعتداءات والملاحقات وحملات التشويه. وفي وضع كهذا ليس ثمة ما يجعل السلطة تعامل الرابطة "معاملة تمييزية" خاصة أنها تدرك أن عودتها إلى النشاط العادي سيدخل حركية هامة في المجال الحقوقي. وهذا ما يؤكد أنها لم تكن جادة منذ البداية في الحوار مع الهيئة المديرة وإنما أرادت فقط المناورة للتقدم في مناقشة "مرتبة الشريك المتقدم" مع الاتحاد الأوروبي.

إن كل هذا يجعلنا نقول إن معركة الرابطة من أجل عودتها إلى النشاط وعقد مؤتمرها هي جزء "لا يتجزأ من معركة أعم وأشمل وهي معركة الحريات ومن بينها حرية التنظم وهذه المعركة لا يمكن للرابطة أن تكسبها بمفردها، لأنها معركة ينبغي أن يخوضها كل الديمقراطيين في بلادنا. ونحن نجزم، بناء على التجربة الطويلة للرابطة المليئة بـ"الأزمات" التي تقف وراءها السلطة أنه حتى إذا وقع التنفيس مرة أخرى على الرابطة تحت ضغط خارجي مثلا، فإن ذلك لن يدوم طويلا، وستجد المنظمة نفسها من جديد محاصرة لأن الدكتاتورية تريدها إما تابعة أو مشلولة الحركة بقوة البوليس الغاشمة.

إن من شروط النجاح في المعركة التي تواجهها الرابطة هو أن تعتمد أولا وقبل كل شيء على قواعدها وأن تتخطى الهيئة المديرة كل العراقيل للحفاظ على الصلة بهذه القواعد. كما أن من شروط النجاح أن لا تنغمس الرابطة في مشاكلها الداخلية وأن تكثف جهودها، بما توفر لها من إمكانيات، لرصد انتهاكات حقوق الإنسان والتشهير بها، لأن أحد أهم أهداف السلطة هو تلهية الرابطة بأوضاعها الداخلية حتى لا تقوم بما هي وجدت من أجله.

وما من شك في أن على الرّابطة أيضا أن لا تدخر أي جهد للتكتل مع باقي الجمعيات والمنظمات، المعترف وغير المعترف بها لمواجهة السلطة، طالما أنها عرضة لنفس المشاكل. إن ما يجري حاليا من تنسيق ظرفي لا يرتقي إلى مستوى التحديات التي تفرضها السلطة على العالم الجمعياتي، خاصة أن أطرافا في الرابطة مازالت إلى اليوم تتردد في العمل مع هذه الجمعية الحقوقية أو تلك تارة بدعوى أنها "غير معترف بها" وتارة بدعوى أنها "قريبة من الإسلاميين"، والرابح من كل ذلك هو السلطة التي تراهن على الخلافات لتبقى الصفوف مشتتة.

وأخيرا وليس آخرا فإن مواصلة تعبئة الحركة الحقوقية الإقليمية والدولية يعد رافدا هاما لتخفيف الخناق على الرابطة، خاصة إذا تم ذلك وفق خطة مدروسة تسهر الهيئة المديرة على متابعة تنفيذها. وما من شك في أن توصل الجمعيات والمنظمات الحقوقية والنقابية والثقافية التونسية إلى التكتل في تجمع واحد سيجعل كلمتها أكثر وقعا لا على المستوى الداخلي فحسب بل كذلك على المستوى الخارجي.

آمال س.
مناضلة حقوقية



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني